عدد المشاهدات

الثلاثاء، 27 فبراير 2007

أخبار عروة بن حزام من كتاب الأغاني للأصفهاني

أخبار عروة بن حزام

هو عروة بن حزام بن مهاصر، أحد بني حزام بن ضبة بن عبد بن كبير بن عذرة .

شاعر إسلامي، أحد المتيمين الذين قتلهم الهوى، لا يعرف له شعر إلا في عفراء بنت عمه: عقال بن مهاصر، وتشبيبه بها .

أخبرني بخبرها جماعة من الرواة؛ فمنه ما أخبرني به الحسن بن علي بن محمد الآدمي قال: حدثنا عمر بن محمد بن عبد الملك الزيات، قال: حدثني موسى بن عيسى الجعفري، عن الأشباط بن عيسى العذري.

وأخبرني الحسين بن يحيى المرداسي، ومحمد بن مزيد بن أبي الإزهر، عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن رجاله.

وأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال: حدثنا عمر بن شبة. وأخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال: حدثنا الزبير بن بكار عمن أسند إليه. وأخبرني إبراهيم بن أيوب الصائغ عن ابن قتيبة.

وقد سقت رواياتهم وجمعتها: قال الأسباط بت عيسى - وروايته كأنها أتم الروايات وأشدها اتساقاً - أدركت شيوخ الحي يذكرون: ه كان من حديث عروة بن حزام وعفراء بنت عقال: أن حزاماً هلك وترك ابنه عروة صغيراً في حجر عمه عقال بن مهاصر. وكانت عفراء ترباً لعروة، يلعبان جميعاً، ويكونان معاً، حتى ألف كل واحد منهما صاحبه إلفاً شديداً. وكان عقال يقول لعروة، لما يرى من إلفهما: أبشر، فإن عفراء امرأتك ، إن شاء الله. فكانا كذلك حتى لحقت عفراء بالنساء، ولحق عروة بالرجال، فأتى عروة عمةً يقال لها: هند بنت مهاصر، فشكا إليها ما به من حب عفراء ، وقال لها بعض ما يقول لها: يا عمة، إني لأكلمك وأنا منك مستح ، ولكن لم أفعل هذا حتى ضقت ذرعاً بما أنا فيه، فذهبت عمته إلى أخيها فقالت له : يا أخي، قد أتيتك في حاجة أحب أن تحسن فيها الرد ، فإن الله يأجرك بصلة رحمك فيما أسألك. فقال لها: قولي، فلن تسألي حاجة إلا رددتك بها. قالت: تزوج عروة بن أخيك بابنتك عفراء، فقال: ما عنه مذهب، ولا هو دون رجل يرغب فيه ، ولا بنا عنه رغبة، ولكنه ليس بذي مال، وليست عليه عجلة. فطابت نفس عروة، وسكن بعض السكون.

وكانت أمها سيئة الرأي فيه، تريد لابنتها ذا مال ووفر، وكانت عرضة ذلك كمالاً وجمالاً، فلما تكاملت سنه وبلغ أشده عرف أن رجلاً من قومه ذا يسار ومال كثير يخطبها، فأتى عمه، فقال: يا عم، قد عرفت حقي وقرابتي، وإني ولدك وربيت في حجرك، وقد بلغني أن رجلاً يخطب عفراء، فإن أسعفته بطلبته قتلتني وسفكت دمي، فأنشدك الله ورحمي وحقي، فرق له وقال له : يا بني، أنت معدم، وحالنا قريبة من حالك، ولست مخرجها إلى سواك، وأمها قد أبت أن تزوجها إلا بمهر غال، فاضطرب واسترزق الله تعالى .

فجاء إلى أمها فألطفها ودارها، فأبت أن تجيبه إلا بما تحتكمه من المهر، وبعد أن يسوق شطره إليها، فوعدها بذلك.

وعلم أنه لا ينفعه قرابة ولا غيرها إلا بالمال الذي يطلبونه ، فعمل على قصد ابن عم له موسر كان مقيماً باليمن ، فجاء إلى عمه وامرأته فأخبرهما بعزمه، فصوباه ووعداه ألا يحدثا حدثاً حتى يعود.

وصار في ليلة رحيله إلى عفراء، فجلس عندها ليلة هو وجواري الحي ، يتحدثون حتى أصبحوا ، ثم ودعها وودع الحي وشد على راحلته، وصحبه في طريقه فتيان من بني هلال بن عامر كانا يألفانه ، وكان حياهم متجاورين، وكان في طول سفره ساهياً يكلمانه فلا يفهم، فكرةً في عفراء ، حتى يرد القول عليه مراراً، حتى قدم على ابن عمه، فلقيه وعرفه حاله وما قدم له، فوصله وكساه، وأعطاه مائة من الإبل، فانصرف بها إلى أهله.

وقد كان رجل من أهل الشام من أسباب بني أمية نزل في حي عفراء، فنحر ووهب وأطعم ، وكان ذا مال عظيم ، فرأى عفراء، وكان منزله قريباً من منزلهم، فأعجبته وخطبها إلى أبيها، فاعتذر إليه وقال: قد سميتها إلى ابن أخ لي يعدلها عندي، وما إليها لغيره سبيل ، فقال له: إني أرغبك في المهر، قال: لا حاجة لي بذلك ، فعدل إلى أمها، فوافق عندها قبولاً، لبذله ورغبة في ماله، فأجابته ووعدته ، وجاءت إلى عقال فآدته وصخبت معه ، وقالت: أي خير في عروة حتى تحبس ابنتي عليه وقد جاءها الغني يطرق عليها بابها؟ والله ما ندري أعروة حي أم ميت؟ وهل ينقلب إليك بخير أم لا؟ فتكون قد حرمت ابنتك خيراً حاضراً ورزقاً سنياً ، فلم تزل به حتى قال لها: فإن عاد لي خاطباً أجبته. فوجهت إليه أن عد إليه خاطباً. فلما كان من غد نحر جزراً عدة، وأطعم ووهب وجمع الحي معه على طعامه، وفيهم أبو عفراء، فلما طعموا أعاد القول في الخطبة، فأجابه وزوجه ، وساق إليه المهر، وحولت إليه عفراء وقالت قبل أن يدخل بها : يا عرو إن الحي قد نقضوا عهد الإله وحاولوا الغدرا

في أبيات طويلة.

فلما كان الليل دخل بها زوجها، وأقام فيهم ثلاثاً، ثم ارتحل بها إلى الشام، وعمد أبوها إلى قبر عتيق، فجدد وسواه، وسأل الحي كتمان أمرها .

قدم عروة بعد أيام، فنعاها أبوها إليه، وذهب به إلى ذلك القبر، فمكث يختلف إليه أياماً وهو مضنى هالك، حتى جاءته جارية من الحي فأخبرته الخبر ، فتركهم وركب بعض إبله، وأخذ معه زاداً ونفقة، ورحل إلى الشام فقدمها وسأل عن الرجل فأخبر به، ودل عليه، فقصده وانتسب له إلى عدنان ، فأكرمه وأحسن ضيافته، فمكث أياماً حتى أنسوا به، ثم قال لجارية لهم: " هل لك في يد تولينيها ؟ قالت: نعم، قال: تدفعين خاتمي هذا إلى مولاتك. فقالت : سوءة لك، أما تستحي لهذا القول؟ فأمسك عنها، ثم أعاد عليها وقال لها: ويحك! هي والله بنت عمي، وما أحد منا إلا وهو أعز على صاحبه من الناس جميعاً ، فاطرحي هذا الخاتم في صبوحها ، فإذا أنكرت عليك فقولي لها: اصطبح ضيفك قبلك، ولعله سقط منه. فرقت الأمة وفعلت ما أمرها به.

فلما شربت عفراء اللبن رأت الخاتم فعرفته، فشهقت ، ثم قالت: اصدقيني عن الخبر، فصدقتها . فلما جاء زوجها قالت له: أتدري من ضيفك هذا ؟ قال: نعم، فلان بن فلان ، للنسب الذي انتسب له عروة، فقالت: كلا والله يا هذا ، بل هو عروة بن حزام ابن عمي، وقد كتم نفسه حياءً منك.

وقال عمر بن شبة في خبره: بل جاء ابن عم له فقال: أتركتم هذا الكلب الذي قد نزل بكم هكذا في داركم يفضحكم؟ فقال له : ومن تعني؟ قال: عروة بن حزام العذري ضيفك هذا، قال: أوإنه لعروة؟ بل أنت والله الكلب، وهو الكريم القريب.

قالوا جميعاً: ثم بعث إليه فدعاه، وعاتبه على كتمانه نفسه إياه ، وقال له: بالرحب والسعة، نشدتك الله إن رمت هذا المكان أبداً، وخرج وتركه مع عفراء يتحدثان . وأوصى خادماً له بالاستماع عليهما، وإعادة ما تسمعه منهما عليه، فلما خلوا تشاكيا ما وجدا بعد الفراق، فطالت الشكوى، وهو يبكي أحر بكاء، ثم أتته بشراب وسألته أن يشربه، فقال: والله ما دخل جوفي حرام قط، ولا ارتكبته منذ كنت، ولو استحللت حراماً لكن قد استحللته منك، فأنت حظي من الدنيا، وقد ذهبت مني، وذهبت بعدك فما أعيش! وقد أجمل هذا الرجل الكريم وأحسن، وأنا مستحيى منه، ووالله لا أقيم بعد علمه مكاني ، وإني عالم أني أرحل إلى منيتي. فبكت وبكى، وانصرف.

فلما جاء زوجه أخبرته الخادم بما دار بينهما ، فقال: يا عفراء، امنعي ابن عمك من الخروج، فقالت: لا يمتنع، هو والله أكرم وأشد حياءً من أن يقيم بعد ما جرى بينكما، فدعاه وقال له: يا أخي ، أتق الله في نفسك، فقد عرفت خبرك، وإنك إن رحلت تلفت، ووالله لا أمنعك من الاجتماع معها أبداً ، ولئن شئت لأفارقنها ولأنزلن عنها لك. فجزاه خيراً، وأثنى عليه، وقال: إنما كان الطمع فيها آفتي، والآن قد يئست، وقد حملت نفسي على اليأس والصبر، فإن اليأس يسلي ، ولي أمور، ولا بد لي من رجوعي إليها، فإن وجدت من نفسي قوة على ذلك، وإلا رجعت إليكم وزرتكم، حتى يقضي الله من أمري ما يشاء. فزودوه وأكرموه وشيعوه، فانصرف . فلما رحل عنهم نكس بعد صلاحه وتماثله، وأصابه غشي وخفقان؛ فكان كلما أغمي عليه ألقي على وجهه خمار لعفراء زودته إياه؛ فيفيق.

قال: ولقيه في الطريق ابن مكحول عراف اليمامة، فرآه وجلس عنده؛ وسأله عما به؛ وهل هو خبل أو جنون؟ فقال له عروة: ألك عنده علم بالأوجاع؟. قال: نعم؛ فأنشأ يقول: وما بي من خبل ولا بي جـنة ولكن عمي يا أخـي كـذوب

أقول لعراف اليمـامة داونـي فإنك إن داويتني لـطـبـيب

فوا كبدا أمست رفاتاً كأنـمـا يلذعها بالموقـدات طـبـيب

عشية لا عفراء منك بـعـيدة فتسلو ولا عفراء منك قـريب

عشية لا خلفي مكر ولا الهوى أمامي ولا يهوى هواي غريب

فوالله لا أنساك ما هبت الصبـا وما عقبتها في الرياح جنوب

وإني لتغشاني لذكـراك هـزة لها بين جلدي والعظام دبـيب

وقال أيضاً يخاطب صاحبيه الهلاليين بقصته : خليلي من عليا هلال بن عـامـر بصنعاء عوجاء اليوم واتنظرانـي

ولا تزهدا في الذخر عندي وأجملا فإنكما بي الـيوم مـبـتـلـيان

ألما على عفراء إنـكـمـا غـداً بوشك النوى والبين معتـرفـان

فيا واشيا عفراء ويحكمـا بـمـن وما وإلى من جئتـمـا تـشـيان

بمن لو أراه عـانـياً لـفـديتـه ومن لو رآني عانياً لـفـدانـي

متى تكشفان عني القميص تبينـا بي الضر من عفراء يا فـتـيان

إذن تريا لحماً قليلاً وأعـظـمـاً بلين وقلبـاً دائم الـخـفـقـان

وقد تركتني لا أعي لـمـحـدث حديثاً وإن ناجيتـه ونـجـانـي

جعلت لعراف اليمامة حكـمـه وعراف حجر إن هما شفيانـي

فما تركا من حيلة يعرفـانـهـا ولا شربة إلا وقـد سـقـيانـي

ورشا على وجهي من الماء ساعة وقامـا مـع الـواد يبـتـدران

وقالا: شفاك الله واللـه مـالـنـا بما ضمنت منك الضلـوع يدان

فويلي على عفراء ويلاً كـأنـه على الصدر والأحشاء حد سنان

أحب ابنة العذري حباً وإن نـأت ودانيت فيها غير ما مـتـدانـي

إذا رام قلبي هجرها حال دونـه شفيعان من قلبي لـهـا جـدلان

غنته شاريه؛ ولحنه من الثقيل الأول .إذا قلت: لا، قالا: بلى، ثم أصبحا جميعاً على الرأي الـذي يريان

تحملت من عفراء ما ليس لي به ولا للجبـال الـراسـيات يدان

فيا رب أنت المستعان على الذي تحملت من عفراء منذ زمـان

كأن قطاة علقت بجـنـاحـهـا على كبدي من شدة الخفـقـان

في: تحملت من عفراء والذي بعده، ثقيل أول، يقال إنه لأبي العبيس بن حمدون.

قال: فلم يزل في طريقه حتى مات قبل أن يصل إلى حيه بثلاث ليال، وبلغ عفراء خبر وفاته، فجزعت جزعاً شديداً، وقالت ترثيه: ألا أيها الركب المخبون ويحكم بحق نعيتم عروة بن حـزام

فلا تهنأ الفتيان بـعـدك لـذة ولا رجعوا من غيبة بسـلام

وقل للحبالى: لا ترجين غائبـاً ولا فرحات بعـده بـغـلام

قال: ولم تزل تردد هذه الأبيات وتندبه بها، حتى ماتت بعده بأيام قلائل .

وذكر عمر بن شبة في خبره: أنه لم يعلم بتزويجها حتى لقي الرفقة التي هي فيها، وأنه كان توجه إلى ابن عم له بالشام، لا باليمن ، فلما رآها وقف دهشاً ، ثم قال: فما هـي إلا أن أراهـا فـجـاءة فأبهت حتـى مـا أكـاد أجـيب

وأصدف عن رأيي الذي كنت أرتئي وأنسى الذي أزمعت حين تـغـيب

ويظهر قلبي عذرهـا ويعـينـهـا علي فما لي في الفؤاد نـصـيب

وقد علمت نفسي مكان شـفـائهـا قريباً، وهل ما لا ينـال فـريب؟

حلفت برب الساجـدين لـربـهـم خشوعاً، وفوق الساجـدين رقـيب

لئن كان برد الماء حـران صـادياً إلي حبـيبـاً إنـهـا لـحـبـيب

وقال أبو زيد في خبره: ثم عاد من عند عفراء إلى أهله، وقد ضني ونحل، وكانت له أخوات وخالة وجدة، فجعلن يعظنه ولا ينفع ، وجئن بأبي كحيلة رباح بن شداد مولى بني ثعيلة ، وهو عراف حجر ، ليداويه فلم ينفعه دواؤه.

وذكر أبو زيد قصيدته النونية التي تقدم ذكرها، وزاد فيها: وعينان أوفيت نشراً فتنـظـرا مآقيهما إلا هـمـا تـكـفـان

سوى أنني قد قلت يوماً لصاحبي ضحى وقلوصانا بنا تـخـدان

ألا حبذا من حب عفـراء وادياً نعام وبزل حـيث يلـتـقـيان

وقال أبو يزيد: وكان عروة يأتي حياض الماء التي كانت إبل عفراء تردها فيلصق صدره بها، فيقال له: مهلاً، فإنك قاتل نفسك، فاتق الله . فلا يقبل، حتى أشرف على التلف، وأحس بالموت.

فجعل يقول: بي اليأس والداء والهيام سقيته فإياك عني لا يكن بك ما بيا

أخبرني الحرمي بن أب العلاء قال: حدثنا الزبير بن بكار قال: حدثني عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون، عن أبي السائب قال: خبرني ابن أبي عتيق قال: والله إني لأسير في أرض عذرة إذا بامرأة تحمل غلاماً جزلاً ، ليس يحمل مثله ، فعجبت لذلك، حتى أقبلت به، فإذا له لحية، فدعوتها فجاءت، فقلت له: ويحك! ما هذا؟ فقالت: هل سمعت بعروة بن حزام؟ فقلت: نعم، قالت: هذا والله عروة. فقلت له: أنت عروة ؟ فكلمني وعيناه تذرفان وتدوران في رأسه، وقال: نعم أنا والله القائل: جعلت لعراف اليمامة حكـمـه وعراف حجر إن هما شفـيان

فقالا: نعم نشفي من الداء كـلـه وقاما مع الـعـواد يبـتـدران

فعفراء أحظى الناس عندي مودة وعفراء عني المعرض المتواني

قال: وذهبت المرأة، فما برحت من الماء حتى سمعت الصيحة، فسألت عنها، فقيل: مات عروة بن حزام.

قال عبد الملك: فقلت لأبي السائب: ومن أي شيء مات؟ أظنه شرق، فقال: سخنت عيناك ، بأي شيء شرق؟ قلت بريقه - وأنا أريد العبث بأبي السائب - أفترى أحداً يموت من الحب؟ قال: والله لا تفلح أبداً، نعم يموت خوفاً أن يتوب الله عليه !! أخبرني عمي قال: حدثنا الكراني، عن العمري، عن الهيثم بن عدي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن النعمان بن بشير قال: ولاني عثمان - رضي الله عنه - صدقات سعد هذيم ، وهم: بلي، وسلامان عذرة، وضبة بن الحارث، ووائل: بنو زيد، فلما قبضت الصدقة قسمتها في أهلها، فلما فرغت وانصرفت بالسهمين إلى عثمان - رضي الله عنه - إذا أنا ببيت مفرد عن الحي، فملت إليه، فإذا أنا بفتى راقد في فناء البيت، وإذا بعجوز من وراءه في كسر البيت، فسلمت عليه، فرد علي بصوت ضعيف ، فسألته: ما لك؟ فقال: كأن قطاة علقت بجناحـهـا على كبدي من شدة الخفقان

وذكر الأبيات النونية المعروفة، ثم شهق شهقة خفيفة كانت نفسه فيها، فنظرت إلى وجهه فإذا هو قد قضى فقلت: أيتها العجوز، من هذا الفتى منك؟ قالت: ابني، فقلت: إني أراه قد قضى، فقالت: وأنا والله أرى ذلك، فقامت فنظرت في وجهه ثم قالت: فاظ ورب محمد، قال: فقلت لها: يا أماه ، من هو؟ فقالت: عروة بن حزام، أحد بني ضبة، وأنا أمه، فقلت لها: ما بلغ به ما أرى؟ قالت: الحب، والله ما سمعت له منذ سنة كلمة ولا أنة إلا اليوم، فإنه أقبل علي ثم قال: من كان من أمهاتي باكـياً أبـداً فاليوم إني أراني اليوم مقبوضا

يسمعننيه فإني غير سـامـعـه إذا علوت رقاب القوم معروضا

قال: فما برحت من الحي حتى عسلته، وكفنته، وصليت عليه، ودفنته.

وذكر أبو زيد عمر بن شبة في خبره، هذه القصة عن عروة بن الزبير، فقال هذين البيتين بحضرته: من كان من أخواتي باكياً أبداً......

قال: فحضرته فبرزن - والله - كأنهن الدمى ، فشققن جيوبهن، وضربن خدودهن ، فأبكين كل من حضر. وقضى من يومه.

وبلغ عفراء خبره، فقامت لزوجها فقالت: يا هناء، قد كان من خبر ابن عمي ما كان بلغك، و والله ما عرفت منه قط إلا الحسن الجميل، وقد مات في وبسببي، ولابد لي من أن أندبه وأقيم مأتماً عليه . قال: افعلي. فما زالت تندبه ثلاثاً، حتى توفيت في اليوم الرابع.

وبلغ معاوية بن أبي سفيان خبرهما ، فقال: لو علمت بحال هذين الحرين الكريمين لجمعت بينهما.

وروي هذا الخبر عن هارون بن موسى القروي، عن محمد بن الحارث المخزومي، عن هشام بن عبد الله، عن عكرمة، عن هشام بن عروة عن أبيه، أنه كان شاهداّ ذلك اليوم. ولم يذكر النعمان بن بشير في خبره.

وذكر هارون بن مسلمة عن غصين بن براق، عن أم جميل الطائبة: أن عفراء كانت يتيمة في حجر عمها عمه ، فعرضها عليه فأباها، ثم طال المدى، وانصرف عروة في يوم عيد، بعد أن صلى صلاة العيد، فرآها وقد زينت، فرأى منها جمالاً بارعاً، وقدمت له تحفة فنال منها وهو ينظر إليها، ثم خطبها إلى عمه فمنعه ذلك ، مكافأة لما كان من كراهته لها لما عرضها عليه، وزوجها رجلاً غيره فخرج بها إلى الشام، وتمادى في حبها حتى قتله.

حدثنا محمد بن خلف وكيع قال: حدثنا عبد الله بن شبيب قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وغيره، عن سليمان بن عبد العزيز بن عمران الزهري قال: حدثني خارجة المكي: أنه رأى عروة بن حزام يطاف به حول البيت، قال: فدنوت منه، فقلت: من أنت؟ فقال: الذي أقول : أفي كل يوم أنت رام بلادهـا بعينين إنسانا هما غـرقـان!

ألا فاحملاني بارك الله فيكمـا إلى حاضر الروحاء ثم ذراني

فقلت له: زدني، فقال: لا والله ولا حرفاً .

أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال: حدثني أبو سعيد السكري قال: حدثني محمد بن حبيب قال: ذكر الكلبي عن أبي صالح، قال: كنت مع ابن عباس بعرفة ، فأتاه فتيان يحملون بينهم فتى لم يبق منه إلا خياله، فقالوا له: يا بن عم رسول الله، ادع له، فقال: وما به؟ فقال الفتى: بنا من جوى الأحزان في الصدر لوعة تكاد لها نفـس الـشـفـيق تـذوب

ولكنما أبـقـى حـشـاشة مـعـول على ما به عود هـنـاك صـلـيب

قال: ثم خفت في أيديهم فإذا هو قد مات.

فقال ابن عباس: هذا قتيل الحب لا عقل ولا قود

ثم ما رأيت ابن عباس سأل الله - جل وعز - في عشيته إلا العافية، مما ابتلي به ذلك الفتى، قال: وسألنا عنه فقيل: هذا عروة بن حزام.أعالي أعلى الله جدك عـالـيا وأسقى برياك العضاة البوالـيا

أعالي ما شمس النهار إذا بدت بأحسن مما تحت برديك عاليا

أعالي لو أن النساء بـبـلـدة وأنت بأخرى لاتبعتك ماضـيا

أعالي لو أشكو الذي قد أصابني إلى غصن رطب لأصبح ذاويا

الشعر للقتال الكلابي.

وقد أدخل بعض الرواة الأول من هذه الأبيات مع أبيات سحيم عبد بني الحسحاس التي أولها: فما بيضة بات الظليم يحفها ....

في لحن واحد. وذكرت ذلك في موضعه ، وأفردته على حدته ، وأتيت به على حقيقته.

والغناء لابن سريج، ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى. وذكر الهشامي أن فيه لأبي كامل ثاني ثقيل، لا أدري أهذا يعني أم غيره. و وافقه إبراهيم في لحن أبي كامل ولم يجنسه، وزعم أن فيه لحناً آخر لابن عباد، وفيه ثقيل أول، ذكر ابن المكي أنه لمعبد. وذكر الهشامي أنه ليحيى منحول إلى معبد. وذكر حبش أنه لطويس .

وفي هذه القصيدة يقول القتال : أعالي أخت المالكـيين نـولـي بما ليس مفقوداً وفيه شـفـائيا

أصارمتي أم العلاء وقد رمـى بي الناس في أم العلاء المراميا

أيا إخوتي لا أصبحن بمـضـلة كما كنت لو كنت الطريد مراديا

فراد لديك القوم واشعب بحقهـم كما كنت لو كنت الطريد مراديا

وشمر ولا تجعل عليك غضاضة ولا تنس يا بن المضرحي بلائيا

{ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} [النساء : 65]







التفسير الميسر :


أقسم الله تعالى بنفسه الكريمة أن هؤلاء لا يؤمنون حقيقة حتى يجعلوك حكمًا فيما وقع بينهم من نزاع في حياتك, ويتحاكموا إلى سنتك بعد مماتك, ثم لا يجدوا في أنفسهم ضيقًا مما انتهى إليه حكمك, وينقادوا مع ذلك انقيادًا تاماً, فالحكم بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة في كل شأن من شؤون الحياة من صميم الإيمان مع الرضا والتسليم.


تساؤلات :

· متى تؤمنون حقيقة يا حكام المسلمين ؟

· متى ستتحاكمون إلى سنة النبي – صلى الله عليه وسلم - التي نكصتم عنها ؟
· متى ترضون بحكم الله ورسوله ؟
· متى تنقادون إليه وتسلمون به وترضونه حكما ؟
· هل حققتم بالقوانين الوافدة صميم الإيمان ؟
أرجو أن أجد إجابة على هذه التساؤلات
بانتظار تفاعلكم

الاثنين، 26 فبراير 2007

السياسة التي يريدها السلفيون - بحث قيم لفضيلة الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان

السياسة التي يريدها السلفيون


بقلم فضيلة الشيخ "أبو عبيدة" مشهور بن حسن آل سلمان
حفظه الله تعالى ورعاه


الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وآله وصحبه ، ومن اهتدى بهديه ، وصلى بصلاته إلى يوم الدين ، قال تعالى : {يوم لا ينفع مال ولا بنون . إلا من أتى الله بقلب سليم }. ( أ )

أما بعد .( أ )

لم يرد في القرآن ذكر للفظة (السياسة)، ولا لجذرها (ساس) ومشتقاتها؛ إذ هذه اللفظة معرَّبة على رأي ابن كمال باشا -(ت 940هـ)-، فإنَّه قال في كتابه «تحقيق تعريب الكلمة الأعجمية» ([1]) ما نصه:

«(السِّياسة): معرَّب (سَهْ يَسَا)، وهي لفظة مركبة من كلمتين:

أولاهما: أعجمية، والأُخرى: تُركيّة؛ فإنَّ (سَهْ) بالعجمية: ثلاثة، و(يَسَا) بالمُغل: الترتيب؛ فكأنه قال: التراتيب الثلاثة.

وسبب هذه الكلمة على ما ذكر في «النجوم الزاهرة»: «أنَّ جنكيزخان -ملك المُغل- كان قد قسَّم ممالكه بين أولاده الثلاثة، وجعلها على ثلاثة أقسام، وأوصاهم بوصايا لم يخرجوا عنها، وبقي فيما بينهم إلى يومنا هذا مع كثرتهم، واختلاف أديانهم، فصاروا يقولون: (سه سيا)، يعني: التراتيب الثلاثة -التي رتبها جنكيزخان، فثقل ذلك على العامة فعربوها بتغيير الترتيب، فقالوا: سياسة».

قال أبو عبيدة: لمادة (السياسة) ذكر في السنة النبوية؛ فأخرج البخاري (كتاب أحاديث الأنبياء: باب ما ذكر عن بني إسرائيل) رقم (3455)، ومسلم (كتاب الإمارة: باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء، الأول فالأول) رقم (1842) بسندَيْهِمَا إلى أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- رفعه إلى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:

«كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبيٌّ خلفه نبيٌّ».

ومعنى (تسوسهم)؛ أي: يتولون أمورهم؛ كما تفعل الأمراء والولاة بالرعية.

والسياسة: القيام على الشيء بما يصلحه -قاله النووي في «شرح صحيح مسلم» (12/320 - ط. قرطبة)-.


* تحقيق التعريب:

أفاد صاحب «دراسات في تأصيل المعربات والمصطلح» (ص 131-132) أنَّ لفظة (السياسة) بمعنى: استصلاح الخلق بإرشادهم إلى ما فيه مصلحتهم، أو المنهج المتبع في تدبير مرافق الحياة العامة، ومنها: السياسة المدنية، والسياسة التربوية، وسياسة السوق الحرة.

أقول: إنَّ اللفظ -بمفهومه الحديث- مولَّد توليدًا معنويًّا، والمولد على ما جاء في «المعجم الوسيط»([2]): «المولَّد من الكلام: كل لفظ كان عربيَّ الأصل ثم تغير في الاستعمال، أو هو اللفظ العربي الذي يستعمله الناس بعد عصر الرواية».


* السياسة عربية:

اللفظ عربي فصيح متصرف، وهو مصدر ساس الناس يسوسهم سياسة: ورد في «جمهرة اللغة»([3]) لابن دريد (ت 321هـ): «وَسُسْتُ القومَ أَسُوسُهم سياسة، وكذلك الدواب».

وقال الجوهري في «الصحاح»([4]) (ت 393هـ) -مادة س و س-: «سُسْتُ الرعية سياسةً، وسُوِّسَ الرجلُ أمورَ الناس، على ما لم يسم فاعله، إذا مُلِّكَ أمرهم».

وجاء في «اللسان»([5]) لابن منظور (ت 711هـ): «وساس الأمر سياسةً: قام به،... وسوَّسه القومُ: جعلوه يَسُوسُهم».

أمَّا صاحب «القاموس»([6]) (ت 817هـ)، فقد قال: «وسُسْتُ الرعيةَ سياسةً: أمرتُها ونهيتُها، وفلان مُجرّب قد ساس، وسيس عليه: أدَّب وأُدِّبَ».

إنَّ بين مؤلفي «الجمهرة» و«الصحاح» و«اللسان» و«القاموس» وولاة جنكيزخان (ت 644هـ/1227م) بونًا واضحًا من الزمن!

والعجب كيف خفي هذا على شدَّةِ وضوحه وكثرة وقوع هذه اللفظة في الكتب المتقدمة على عصر جنكيزخان.

على أنَّه يمكن أن يفهم مسلك ابن كمال في تعريب هذه اللفظة (سه يسا)، وهي دخيلة قد صادفت إيقاعًا صوتيًّا للكلمة العربية (سياسة).

ومن قبيل المصادفة أن تحمل كلاهما في الدلالة معنى الرعاية والحكم، وهذا شبيه باللفظ الدخيل (تكنولوجيا Technology)، والتي عُرِّبت بـ(التِّقْنِيِّة) أو (التكنية) للدلالة على التطبيق العملي لنظريات العلم.

يقول عبد الصبور شاهين: «من الواضح أن مصطلح (التقنية) قد جاء موفقًا لما في أصواته من توافق بينه وبين المقابل الانجليزي..»([7])».

إذن؛ لفظة (السياسة) عربية، ولكنها لم ترد في القرآن الكريم بمادتها ولا بمفهومها الحديث المولد تولدًا معنويًّا.


* تعريفات:

هذه جملة من (التعريفات) المذكورة في كتب (الاصطلاح) قديمًا لـ(السياسة) بإطلاق، أو لـ(السياسة الشرعية) -وجلُّها تدور حول معنىً مشترك، مأخوذ من أصل المادة اللغوية الذي ذكرناه آنفًا-:

قال الكفوي في «الكليات» (ص 510):

«السياسة: هي استصلاح الخلق بإرشادهم إلى الطريق المنجِّي في العاجل والآجل، وهي من الأنبياء على الخاصة والعامة في ظاهرهم وباطنهم، ومن السلاطين والملوك على كل منهم في طاهرهم لا غير، ومن العلماء -ورثة الأنبياء- على الخاصة في باطنهم لا غير.

والسياسة البدنية: تدبير المعاش مع العموم على سنن العدل والاستقامة».

وقال الأحمد نكري في «دستور العلماء» (2/140):

«السياسة المدنية: علم بمصالح جماعة متشاركة في المدنية ليتعاونوا على مصالح الأبدان وبقاء نوع الإنسان؛ فإنَّ للقوم أن يعاملوا النبي والحاكم والسلطان كذا، وللنبي والحاكم والسلطان أن يعامل كل منهم قومه ورعاياه كذا.

ثم السياسة المدنية قسمت إلى قسمين إلى ما يتعلق بالملك والسلطنة، ويُسمَّى: علم السياسة، وإلى ما يتعلق بالنبوة والشريعة، ويُسمَّى: علم النواميس.

ولهذا؛ جعل بعضهم أقسام الحكمة العملية أربعة، وليس ذلك بمناقض لمن جعلها ثلاثة أقسام؛ لدخول المذكورين تحت قسم واحد.

السياسة (نكاه داشتن)([8])، وفي «الصراح»: (السياسة رعيت داري كردن)، وفي «غاية الهداية»: (ويسمى السياسة المدنية -بفتح الميم والدال، وضمهما- سمي بها لحصول السياسة المدنية؛ أي: مالكية الأمور المنسوبة إلى البلدة بسببه)».

والمعاني المذكورة قريبة من قول النسفي في «طلبة الطلبة» (ص 167):

«السياسة: حياطة الرَّعية بما يصلحها لطفًا وعنفًا».

ونص بعض الفقهاء على أنَّها: فعل شيء من الحاكم لمصلحة يراها، وإن لم يرد بهذا الفعل دليل شرعي؛ فقال ابن عقيل: «السياسة: ما كان فعلاً يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد، وإن لم يضعه الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا نزل به وحيٌ».

ونقل ابن نجيم عن المقريزي: «أنَّها القانون الموضوع لرعاية الآداب، والمصالح، وانتظام الأموال».

وذكر ابن عابدين أنَّ السياسة تستعمل عند الفقهاء بمعنى أخص من ذلك مما فيه زجر وتأديب -ولو بالقتل-، كما قالوا في اللوطي والسارق إذا تكرر منهما ذلك حلَّ قتلهما سياسةً.

ولذا؛ عرَّفها بعضُهم: «بأنها تغليظ جناية لها حكم شرعي حسمًا لمادة الفساد»، وقيل: السياسة والتعزير مترادفان([9]).

وعرَّفها بعضُ المعاصرين([10]) بقوله:

«السياسة (Politics, policy): مِن ساس الدابة؛ إذا راضها وعني بها: رعاية شؤون الأُمَّة بالداخل والخارج وفق أحكام الشرع.

السياسة الشرعية (Legal policy): عملُ وليِّ أمر المسلمين في الأحكام الاجتهادية بما يحقِّق مقاصد الشريعة، تاركًا ظواهر بعض النصوص، وذلك فيما لو كان العمل بتلك الظواهر يُؤدِّي إلى الإضرار بمصالح الرعيَّة لظروفٍ طارئةٍ.

ومنه قولهم: للإمام تقييد المباح إذا كان عدم التقييد يؤدي إلى إلحاق ضررٍ بمصالح عموم الرعيّة.

مثالها: الحكم بمنع بعض الأفراد من الزواج باليهودية أو النصرانية إذا كان الزواج بهنَّ يؤدِّي إلى إلحاق ضررٍ بمصالح الرعيَّة؛ كأن يكون أولئك الأفراد عاملين في السفارات، أو قواد جيشٍ، وإنما أبيح للحاكم هذا العمل من باب السياسة الشرعيَّة» انتهى.


* نتائج وملاحظات:

نستفيد مما مضى من نقولات في معنى (السياسة) أمورًا، يمكننا إجمالها فيما يأتي:

أولاً: إنَّ مدار معنى (السياسة) على استصلاح شؤون الناس؛ فـ(الصلاح) و(الإصلاح) ليس هدفًا للسياسة والساسة، وإنما هو معناها وأصلُها ولبُّها.

ثانيًا: خصَّ بعضُهم (السياسة) بمعنى الرئاسة أو القيادة، وهذا لازم للمعنى السابق.

ثالثًا: ومِن لوازم هذا اللازم ما جاء في كلام بعض الحنفية أنها الزجر والتأديب.

وكذا ما قاله صاحب «معين الحكام» (ص 169) -وهو علاء الدين الطرابلسي الحنفي-: «السياسة شرع مغلظ»!

رابعًا: جنح بعضهم في تعريف السياسة إلى الجانب العملي؛ بمعنى: أنها إجراءات وتصرفات المسؤولين لعملية الإصلاح، وهذا لازم للمعنى -أيضًا-.

خامسًا: السياسة لم تقتصر في الشرع على نصوص الوحيين الشريفين، بل يدخل فيها كلُّ ما يُصلِحُ شؤون الناس، وقد نقل ابن القيم في كتابه المستطاب «إعلام الموقعين» (6/512-513 - بتحقيقي) و«الطرق الحكمية» (ص 15 - ط. العسكري) مناظرةً جرت بين ابن عقيل وبين بعض الفقهاء القائلين: (لا سياسة إلاَّ ما وافق الشرع)، بيَّن فيها الجانب الفاسد لهذا القول بتفصيل بديع، حيث قال -رحمه اللَّه تعالى- ما نصُّه:

«وجرت في ذلك مناظرة بين أبي الوفاء ابن عقيل([11]) وبين بعض الفقهاء؛ فقال ابن عقيل: العمل بالسياسة الشرعية هو الحزم، ولا يخلو من القول به إمام، وقال الآخر: لا سياسة إلاَّ ما وافق الشرع، فقال ابن عقيل: السياسة ما كان من الأفعال بحيث يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد، وإِنْ لم يشرعه الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا نزل به وحيٌ.

فإِنْ أردتَ بقولك: (لا سياسة إلاَّ ما وافق الشرع)؛ أي: لم يخالف ما نطق به الشرع؛ فصحيح، وإِنْ أردتَ لا سياسة إلاَّ ما نطق به الشرع؛ فغلط، وتغليط للصحابة، فقد جرى من الخلفاء الراشدين من القتل والمثل ما لا يجحده عالم بالسير، ولو لم يكن إلاَّ تحريق المصاحف([12]) كان رأيًا اعتمدوا فيه على مصلحة، وكذلك تحريق عليٍّ -كرَّم اللَّه وجهه- الزنادقة في الأخاديد([13])، ونفي عمر نَصْرَ بن حجاج([14]).

قلتُ [أي: ابن القيم]: هذا موضع مزلة أقدام، ومضلة أفهام، وهو مقام ضَنْك، ومعترك صعب، فَرَّطَ فيه طائفة فعطَّلوا الحدود، وضيَّعوا الحقوق، وجرَّأوا أهل الفجور على الفساد، وجعلوا الشريعة قاصرةً لا تقوم بمصالح العباد، وسَدُّوا على أنفسهم طرقًا صحيحةً من الطرق التي يعرف بها المُحِقَّ من المُبطِلِ، وعطلوها مع علمهم وعلم الناس بها أنَّها أدلة حقٍّ، ظَنًّا منهم مُنَافاتها لقواعد الشرع.

والذي أوجب لهم ذلك: نوع تقصير في معرفة حقيقة الشريعة، والتطبيق بين الواقع وبينها، فلمَّا رأى وُلاَةُ الأمر ذلك وأنَّ الناس لا يستقيم أمرهم إلاَّ بشيءٍ زائدٍ على ما فهمه هؤلاء من الشريعة أحدثوا لهم قوانين سياسية ينتظم بها مصالح العَالَم، فتولَّد من تقصير أولئك في الشريعة، وإحداث هؤلاء ما أحدثوه من أوضاع سياستهم شرٌّ طويل، وفسادٌ عريض، وتفاقَمَ الأمرُ، وتعذَّر استدراكه.

وأفرط فيه طائفة أخرى فسوغت منه ما يُناقض حكم اللَّه ورسوله، وكلا الطائفتين أُتِيَتْ من قِبَلِ تقصيرها في معرفة ما بعث اللَّه به رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ فإنَّ اللَّه أرسل رسله، وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقِسْطِ، وهو العدل الذي قامت به السماوات والأرض، فإذا ظهرت أمارات الحق، وقامت أدلة العقل، وأسفر صبحُهُ بأيِّ طريقٍ كان، فذلك من شرع اللَّهِ ودينه، ورضاه وأمره.

واللَّه -تعالى- لم يحصر طرق العدل وأدلته وأماراته في نوع واحد، ويبطل غيره من الطرق التي هي أقوى منه، وأدل وأظهر.

بل بيَّن ما شرعه من الطرق أنَّ مقصوده إقامة الحق والعدل، وقيام الناس بالقسط؛ فأيُّ طريقٍ استخرج بها الحق ومعرفة العدل، وجب الحكم بموجبها ومقتضاها، والطرق أسباب ووسائل لا تُراد لذواتها، وإنما المراد غاياتها التي هي المقاصد، ولكن نبَّه بما شَرَعَهُ من الطرق على أشباهها وأمثالها، ولن تجد طريقًا من الطرق المُثْبِتَةِ للحقِّ إلاَّ وفي شَرْعِهِ سبيلٌ للدلالةِ عليها، وهل يُظنُّ بالشريعة الكاملة خلاف ذلك؟!

ولا نقول: إنَّ السياسة العادلة مخالفة للشريعة الكاملة، بل هي جزء من أجزائها، وباب من أبوابها، وتسميتها سياسة أمرٌ اصطلاحي، وإلاَّ فإذا كانت عَدْلاً فهي من الشرع»، ثم ضرب -رحمه اللَّه- أمثلة لعمل النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بالسياسة الشرعية، وخلفائه الراشدين من بعدِهِ؛ فانظرها([15])، ولا تُفرِّط بها؛ فهي «السياسات العادلة التي ساسوا بها الأُمَّة، وهي مشتقة من أصول الشريعة وقواعدها»([16]).

سادسًا: ومع ما سبق؛ فإنَّ السياسة أصبحت تُقَيَّدُ في العصور المتأخرة بلفظة (الشرعية)! ولهذا أسباب؛ منها:

1- القول بأنَّ السياسة مقتصرة على ما وردت في نصوص الوحي، وهذا تضييق وتحجير!

2- بالنظر إلى ما استجدَّ في حياة الناس من تغيير وتبديل، وما طرأ في حياتهم من حوادث، وما جنت أيديهم من إحداث، فوقعوا في ورطات بمقدار بُعدهم عن هدي النبوة، ولذا قسموا السياسة([17]) إلى أقسام؛ وتنوّعت هذه الأقسام بالنظر إلى مصادرها تارةً، وإلى محالّها والأماكن التي تجري فيها تارةً أُخرى.

فها هو ابن خلدون -مثلاً- يُقسِّم في «مقدمته» (ص 170) السياسة إلى: (عقلية) و(شرعية)؛ فيقول -بعد كلام-:

«فإذا كانت هذه القوانين مفروضة من العقلاء، وأكابر الدولة، وبُصرائها كانت (سياسةً عقلية)، وإن كانت مفروضة من اللَّهِ بشرعٍ يقررها ويشرعها كانت (سياسةً دينية)».

ومن هنا؛ وقع (الفراق) بين (الدين) -عقيدةً وشريعةً- و(السياسة) -ممارسة عملية الإصلاح من قِبَلِ الولاة-؛ قال ابن خلدون -أيضًا-على إثر الكلام السابق مُفرِّقًا بين (الملك السياسي) و(الخلافة)-:

«الملك السياسي: هو حمل الكافة على مقتضى النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية ودفع المضار.

والخلافة: هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأُخروية والدنيوية الراجعة إليها».

وأشار شيخُ الإسلام ابن تيميَّة -رحمه اللَّه- في «مجموع الفتاوى» (20/392-393) إلى تأريخ هذا الانفصام المبتدع -النكد- بين (الشرع) و(السياسة)، فقال:

«فلمَّا صارت الخلافة في ولد العباس، واحتاجوا إلى سياسة الناس، وتقلد لهم القضاء مَن تقلده من فقهاء العراق، ولم يكن ما معهم من العلم كافيًا في السياسة العادلة؛ احتاجوا حينئذٍ إلى وضع ولاية المظالم، وجعلوا ولاية حرب غير ولاية شرع، وتعاظم الأمر في كثير من أمصار المسلمين، حتَّى صار يقال: الشرع والسياسة، وهذا يدعو خصمه إلى الشرع، وهذا يدعو إلى السياسة، سوغ حاكمًا أَنْ يحكم بالشرع والآخر بالسياسة.

والسبب في ذلك أنَّ الذين انتسبوا إلى الشرع قصَّروا في معرفة السنة، فصارت أمور كثيرة؛ إذا حكموا ضيعوا الحقوق، وعطلوا الحدود، حتَّى تسفك الدماء، وتؤخذ الأموال، وتستباح المحرمات، والذين انتسبوا إلى السياسة صاروا يسوسون بنوعٍ من الرأي من غير اعتصام بالكتاب والسنة، وخيرهم الذي يحكم بلا هوى، ويتحرَّى العدل، وكثير منهم يحكمون بالهوى، ويحابون القوي ومَن يرشوهم، ونحو ذلك».

ومن ها هنا؛ جاء تقرير ابن القيم -رحمه اللَّه- السابق بديعًا، لَمَّا حَكَى أنَّ (السياسة) في الشرع هي: (عدل اللَّهِ ورسولِهِ)، وقال -قبل ذلك-:

«ونحن نُسمِّيها سياسة تبعًا لمصطلحهم»!

فكمال الشريعة ومحاسنها في حقيقتها ولُبِّها ومعانيها، وجعل السياسة مقابل الشريعة، والنظر إليهما على أنهما نوعان مُتقابلان، وقسيمان مختلفان، ظلمٌ لكليهما.

وقد ردَّ شيخُ الإسلام ابن تيميَّة -رحمه اللَّهُ- على هذا الخطأ والغلط! وبيَّن منشأ هذا المذهب الشطط! حيث قال في «مجموع الفتاوى» (20/391-392) ما نصُّه:

«يوجد في كثير من خطاب بعض أتباع الكوفيين، وفي تصانيفهم، إذا احتجَّ عليهم مُحتجٌّ بِمَن قتلَهُ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أو أمر بقتله؛ كقتله اليهودي الذي رضَّ رأس الجارية، وكإهداره لدمِ السَّابَّةِ التي سَبَّتْهُ -وكانت معاهدة-، وكأمره بقتل اللوطي -ونحو ذلك-؛ قالوا: هذا يعمله سياسةً!

فيقال لهم: هذه السياسة؛ إنْ قلتم: هي مشروعة لنا؛ فهي حقٌّ، وهي سياسة شرعية.

وإن قلتم: ليست مشروعة لنا؛ فهذه مخالفة للسنة.

ثم قول القائل -بعد هذا-: سياسة؛ إمَّا أَنْ يريد أنَّ الناسَ يساسون بشريعة الإسلام، أم هذه السياسة من غير شريعة الإسلام.

فإِنْ قيل بالأول؛ فذلك من الدين، وإِنْ قيل بالثاني؛ فهو الخطأ!

ولكن منشأ هذا الخطأ: أنَّ مذهب الكوفيين فيه تقصير عن معرفة سياسة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وسياسة خلفائه الراشدين.

وقد ثبت في «الصحيح» عنه أنَّه قال: «إنَّ بني إسرائيل كانت تسوسهم الأنبياء»([18])» انتهى.

مع الاعتراف والإقرار بأنَّ الفراق بينهما، أعني: الشريعة -عقيدةً وعملاً- والسياسة -تنظيرًا وتطبيقًا- واقعٌ من غير دافع، منذ زمن العباسيين، واتسع هذا الفرق بِمُضِيِّ الزمن، حتَّى ظهرا في هذه الآونة على أنهما متقابلان؛ لا صلة للشريعة بالسياسة، ولا للسياسة بالشريعة! ولا قوَّة إلاَّ باللَّهِ.

وحقٌّ لنا -بعد هذا كلِّه- أَنْ نتساءل: هل اصطلاح (السياسة) محمود أم مذموم؟

ونجيب على هذا بقولنا:


* المحمود والمذموم من السياسة:

إنَّ مصطلح (السياسة) لا يحمد بإطلاق، ولا يُذم بإطلاق.

ومَن أطلق (ذمَّه) نظر إلى تسفّله لا إلى علوِّه، وإلى تبذّله لا إلى سمّوه، ويوشك هذا اللفظ -بسوء تصريف الاستعمال له- أن يصبح بلا معناه الذي رسم له، بل بلا معنىً؛ كالألفاظ المهملة، وكما يجازف إعلام الغرب -اليوم، وقبل اليوم- بكلمة (الإرهاب)([19])، يرمي بها من غير هدف!! ويَسِمُ بها من هبَّ ودبَّ، فكان من آثار ذلك أن نبَّه الناس إلى عداوتهم للإسلام، وفتح لبعضهم -بما يُردد من لفظها، وبما يُبدع من أسبابها- أبوابًا وطرائق، كذلك جازف بكلمة (السياسة)، يرمي بها المصلحين!


* المصلحون والسياسة:

فهذه اللفظة (مظلومة) بتبرء المصلحين منها، وهي دونهم([20]) تبقى ذليلة مهينة مجردة من جلالها وسمّوها؛ فإنَّ أعلى معانيها -كما رأينا- تدابير الممالك بالقانون والنظام، وحياطة الشعوب بالإنصاف والإحسان، ولكنها تدنَّتْ فنـزلت -ولا قوَّة إلا باللَّه- إلى معنى التحيل على الضعيف ليؤكل، وقتل مقوّماته ليهضم، والكيد للمستيقظ حتى ينام، والهَدْهدةِ للنائم حتى لا يستيقظ.


* علماء السلفيين والسياسة:

هذا المعنى الأخير هو المذموم، وهو المنفي عند أعلام السلفيين من العلماء والمصلحين، وأطلق واحد([21]) منهم -على هذا المنفي- مقولةً اشتهرت عنه غاية، أَلاَ وهي: (من السياسة ترك السياسة)([22]).

ذلك؛ لأنَّ لسان حاله ومقاله كان ينادي بتحرير العقول من الأوهام والضلالات في الدين والدنيا، وتحرير النفوس من تَأْلِيهِ الأهواء والرجال، وأنَّ تحرير العقول لأساس لتحرير الأبدان، وأصل له، ومحال أن يتحرر بدن يحمل عقلاً (عبدًا)! ولا يتحقق هذا التحرير إلاَّ بالتصفية والتربية؛ فمن السياسة الانشغال بالحقيقة والجوهر، وكان هذا هو هَمُّ ذلك القائل وشغله الشاغل، وكأنه كان يقول:

دَعِ الطنطنة لعشاق المظاهر والتهاويل، ودَعِ الأصداء الفارغة تجبّ نفسها، ودَعِ الدعوى للمتشبعين بما ليس فيهم، وهَاتِ الحقيقةَ التي لا تُدْحَض، والحجة التي لا تُنْقَض.


* سياسة متروكة:

إنَّ إشغال الأُمَّة بقضاياها المصيرية دون إعداد العُدَّة اللازمة للتربية الإيمانية الجادّة، وتحقيق الربانيّة، والبناء على المقاصد الشرعية الصحيحة، لم يأتِ بنتائج سليمة، وما لم ينشأ ذلك عن إيمان راسخ، لم يظهر له ثمرة ناضجة، ولما بُلِيَتْ سرائرُ أولئك العاملين على الإشغال دون إمهال، وباستعجال وإهمال؛ تبيَّن أن (سياستهم) -كلهم- التسابق إلى غاية واحدة، هي (كراسي النيابات)، وما يتبعها من الألقاب والمرتبات، تحقيقًا للمكاسب والرواتب والمناصب (أصالةً) و(نهايةً)، وإذ كلُّ شيءٍ بدؤه السياسة، فنهايته التجارة، والأعمال بخواتيمها!!

هذه هي السياسة التي من السياسة تركها، إذ جُعِلَتْ أداةَ مساومة، وفخ اقتناص المذبذبين من أبناء المسلمين، ممن يريدون الإصلاح بالمُشاركة بإعطاء (الصوت) فحسب! دون أي عناء، ولا سيما إن علَّق الناخب شعارات فيها تهديد ووعيد بلعنة اللَّه، والحرمان من دخول الجنة، وتوظيف النصوص لاختياره دون سواه، وفي ذلك من المضاهاة لليهود والنصارى بما لا يشتبه إلاَّ على صاحب الهوى!


* سياسة منفيّة:

فهذه السياسة عند الربانيين هي المنفية، التي مدارها على تطويع الدين للمصالح الشخصية، والمطامع الدنيوية، وجعلها وسيلة جاه، وذريعة للتضليل، وقد بلوناها وخبرناها وحاولنا إصلاحها في رجالها إشفاقًا على هذه الأُمَّة، فبُحَّت الأصوات، وأَكْدَت الوسائل، فلا يقولنّ قائل: (فينا) و(فيهم) و(فيها) غير هذا، فأهل مكة أدرى بشعابها!


* للحقيقة والتاريخ:

نقرر هذا للحقيقة والتأريخ على الرغم من قول المُتأثِّرين بهذا النوع المذموم من (السياسة): إنَّ كلامكم هذا فيه نصرة لفريق على فريق، ويحملهم هذا المعنى الذي فيه غلوّ على القول بترجيح (طائفة) على (طائفة)، أو تجريح (الحق) و(أهله)، دون التقعيد والتأصيل والتدليل! لأنَّ (الحزبيّة) والتهافت على نصرة (الشعارات) و(الشارات) و(الأسماء) هو الديدن! و(الافتتان) المُزري بـ(الأشخاص) نراه على أقبح (صورة) في حين أن ذلك ليس من مصلحة (الأُمَّة) ولا من عمل (ساستها) المصلحين!


* السياسة وطلبة العلم المبتدئين:

ومع هذا؛ فإننا ننكر أن يكون في (السياسة) اليوم (دين)! ولكننا لا ننكر أن يكون في (الدين) (سياسة)، وهذا (النوع) منها مناط بالمقاصد والمصالح المعتبرة، نصون الصغار ومَن هم في طريق التعلم والتربية عن أن (يُقرروه)، أو (يُقدّروه)، ونقول لهؤلاء -وجلهم من الشباب (المتحمِّسين)، ويعملون من أمام (تقريرات) العلماء (الكبار)-:

إنَّه لا ينبغي لكم أن تتدخلوا في السياسة؛ لأنكم لا تحسنونها، ولا يجوز لكم -ألبتة!- أن تنطقوا بلسانها، وتقول لكم: لسان السياسة (أعجمي)! ولسانكم عربي مبين!!

وأما نحن؛ فنقول: إنَّ طريقكم الموصول إلى جلال العلم لا يتّفق مع (أوساخ) السياسة، وما لم تفعلوا؛ فستغلب عليكم طباع (السوء)، وستقذف بكم (السياسة) في (المعتقلات) مع (المجرمين)!!


* خطر السياسة على مصاير العلماء:

كان ابن خلدون يرى أنَّ الاشتغال بالسياسة لا يليق بالعلماء، وأُثِرَ عن محمد عبده أنَّه قال: لعن اللَّهُ (السياسة) ومادة (ساس) (يسوس)!!

و(السياسة) المعنية -هنا- هي المشاركة في الأحداث الجسام التي تعصف بالأُمَّة، ويتمخض عنها أن يكون المشارك فيها متحيزًا متحزبًا إلى فئة من أُمَّتِهِ دون أُخرى، بحيث يفقد موقعه اللائق به فيها، وتُصرفُ عنه -بسبب ذلك- القلوبُ، والعالم بطبيعة مركزه هو قطب الرحى في الإصلاح، والحَكَمُ العدل بين أهل الاختلاف، والواجب المطلوب منه هو إقامة أشرف ما يمكن من الأخلاق من خلال الدعوة إلى الدين الحق، والقول الصدق.

والواجب الشرعي على العلماء -ولا سيما في المرحلة التي نعيش- إحياء الربانية من خلال التصفية والتربية، والانقطاع لأداء هذه الرسالة السامية، فما ينبغي لهم الاشتراك في السياسة من قريب أو بعيد، وهم أدرى الناس بما تتعرض له ديارهم من عواصف الخلاف، فما ينبغي أن تُخرِجَ الأحداثُ الجسامُ العلماءَ من وقارهم المنشود، وتزحزحهم عن موقعهم المعهود، وتسوقهم إلى معاطب لا يسلم معها أحد، ولا ينفع في دفعها علاج!

وإنَّ رأسي ليدور كلما فكرت في مصاير أقوام منتسبين للعلم الشرعي بَلْبَلَتْهُم الحوادثُ، فلا يعرفون إلى أين يتّجهون، وقد أحاطت بهم القواصف، والفتن العواصف، وعرَّضوا أنفسهم لِمَا لا يطيقون من الفتنة، قد كان أسلافنا يعتزلونها، وما كانوا -رضي اللَّهُ عنهم- جبناء، ولكنهم كانوا يعرفون أن الفتنة تخبط خبط عشواء، فلا تفرِّقُ بين العاصي والمطيع، ولا تدري أين تقع أخفافها الهوج الثقال!


* المُسيَّسون: حقيقة ودعوى:

هنالك آراء وأقاويل كثيرة قالها المفكرون والصحفيون و(الساسة) في (السياسة)، ومن (أسوإ) هذه (القالات) ما يُتَّهم به (العلماء الربانيون السلفيون) أنهم (مُسَيَّسون)! ودينهم يأبى عليهم الكذب والرياء والنفاق -وهي الأقانيم الثلاثة التي تقوم عليها السياسة غير الشرعية-، وهم أشرف من أن يعملوا لغير مبادئهم، أو تسخَّر علومهم ومواهبهم وعطايا اللَّه لهم لخدمة الغير كائنًا مَن كان!

وما وقعت المصايب، وتفرق الناس، وظهرت المعايب إلاَّ عندما أصبح بعض (العلماء) -فيما ظهر للناس، وهم في حقيقة أمرهم: القائمون مقامهم بسبب أنهم (المُفوَّهون) بينهم- (مُسَيَّسُون) من (أحزابهم) و(دعواتهم) أو (حكوماتهم)، وأصبحت الإدارة واتخاذ القرار بين يدي غيرهم، وهم أداة يُلعب بهم!


* أعداؤنا والسياسة:

أمَّا مَن هم أعداء ديننا، الطامعون في خيرات بلادنا؛ فنتكلم معهم بـ(السياسة) في (السياسة) ليدركوا أننا نفهم معنى (السياسة)!

فنقول:

ما قولكم في التدخل في شؤون ديننا؟! وابتلاع خيرات بلادنا؟! وصرف الأموال والأوقات في دراسة (مكمن) قوتنا؟! وتشويه تاريخنا؟! وامتهان لغتنا؟! وبث الشهوات والشبهات بيننا؟!!

ما قولكم في كل ذلك؟! أهو من الدين، أم من السياسة؟!!

كيف تُبيحون لأنفسكم التدخل فيما لا يعنيكم (!!) من شؤون ديننا، ثم تُحرِّمون علينا الدخول فيما يُعنينا من شؤون دنيانا؟!!

فنحن وإياكم فريقان:

فريق أخضع الدين للسياسة ظالمًا!

وفريق أدخل السياسة في الدين مُتظلِّمًا!

فهل يستويان؟!!

إننا إذا ما حاكمناكم إلى الحقِّ غلبناكم! وإذا حاكمتمونا إلى القوة غلبتونا!

ولكننا قوم ندين بأنَّ العاقبة للحق لا للقوَّة ! ! !


* صرخة:

ثم نقول لإخواننا المسلمين، وساستنا الحريصين: العلماء مادّة قوتكم، وأولياء أموركم، وعماد أعمالكم، ومجمع غاياتكم التي تعملون لها -إن كنتم صادقين-، ونقول:


* لباب السياسة وقشورها:

إنَّ حظَّ الكثير من الناس من (السياسة) القشور لا اللباب، والكلام في الأحداث لتحقيق (الذات) بالظن والتخمين لا بالحقِّ واليقين!

أمَّا (اللباب) و(لباب السياسة) -على وجه أخص-؛ فهو نصيب العلماء، وهو الذي قدَّمناه من نقولات عنهم، مفادها (إيجاد الأُمَّة)، و(إقامة الدين) فيها، بتثبيت مقوّماتها، وإيجاد تقاليد صحيحة، وعادات صالحة، بتصحيح عقيدتها، وبتربيتها على الاعتداد بنفسها، والاعتزاز بقوتها المعنوية، والمغالاة بقيمتها وبميراثها، وبالإمعان في ذلك كله حتَّى يكون لها عقيدة راسخة تناضل عنها، وتستميت في سبيلها، وترى أنَّ وجود تلك المقوّمات شرط لوجودها، فإذا انعدم الشرط انعدم المشروط، ثم يفيض عليها من مجموع ذلك إلهام لا يغالب ولا يرد، بأنَّ تلك المقوّمات متى اجتمعت وتلاحقت؛ تلاقحت، ومتى تلاقحت وَعَدَتْ (إصلاحًا)، و(تغييرًا).


* الحزبيون والعلماء:

يا إخواننا وأحباءنا -خطاب عطف وود، وتقدير وإشفاق- يا مَن انغمستم بالحزبيّة، وتراكمَتْ في قلوبكم رواسبُ وموروثات أفرزها ضغطُ الواقع، وانتقلت من حماسات وعواطف، وانقلبت إلى أفكار ومواقف، فواللَّهِ! إنَّنا لا نحتقركم، فما أنتم إلاَّ من رأس المال الواجب علينا حفظه قبل أن نفكر بالأرباح! ولسنا -واللَّهِ- نتهمكم على ديننا! فأنتم عندنا أجلُّ من ذلك، ولكننا نعدّ مواقفكم من (العلماء) ناشئة عن بُعدكم عن التربية الإيمانية، والتقعيدات العلمية الأصولية، وإن من أسوإ أعمالكم احتقاركم للسواد الأعظم من الأُمَّة -وهي أُمتكم!- فلا تفكرون في عدادها مع دراسة درجة استعدادها، ولا تلتفتون إلى تصحيح الأُسس فيها، كما يفعل من يترسم (لباب السياسة)!


* حظ الحزبيين من السياسة:

اسمحوا لي حين نعتقد أن حظ الكثيرين من الخائضين بـ(السياسة) من (لباب السياسة) صفر في صفر؛ فإنَّ لوَوْا ألسنتهم بشيء من ذلك، كذبتهم أعمالُهم، وصدمهم الواقع، وفضحتهم عواقب أمورهم، وكشفتهم قالات أفعالهم!

يا أحباءنا لا نريد صياحًا في واد! ولا نفخًا في رماد! ولا إهمالاً للعباد!! ولا ضياعًا للبلاد!!


* سياسة التربية، وتربية السياسة:

فالواجب إعمال (سياسة التربية) لا (تربية السياسة)، ولا يعرف أهمية هذا الفرق إلاَّ مَن كان صادق الحدس، قويَّ الزَّكانة، يعرف النتائج، ويخبر الآثار، ويفرق بين اللباب والقشار.

فـ(سياسة التربية) هي (لباب السياسة)، و(تربية السياسة) هي (قشور السياسة)! والفرع يتبع الأصل، كما أن (القشر) لحفظ (الأصل)، وهذا بمثابة الفرق بين (العالم العامل) و(العامل عالم)!

وأيّ عاقل لا يدرك بالتصور والتقدير أن الأصل مقدّم على الفرع، وإنَّ الغرب وعيونهم -للأسف- لأفقه وأقوى مظنة من هؤلاء المغفلين من الشباب (المساكين) حين يُخوّف من (العلماء) ويُسمّيهم (عاملين بالسياسة)، نعم! يسمّيهم كذلك، وهم ليسوا (ساسة عاملين)؛ لأن النتائج والآثار معلومة، وأنهم عاملون بجدٍّ؛ لإيجاد ما أعدم، وبناء ما هدم، وزرع ما قلع، وتجديد ما أتلف! فلا الإسلام يسمح لهم غير ما عملوه، ولا يرضى الأعداءُ عن ذلك العمل!

ماذا يريد هؤلاء؟! أيريدون بناءً على غير أصول؛ فيبوؤا بضياع الأصل والفرع معًا؟! أم يريدون أن يجعلوا الفروع سلمًا للأصول، لا على طريقة العلماء والحكماء والفحول، وإنما على طريقة المغفلين والحمقى والسفهاء؟!


* مذهب الحمقى والمغفَّلين:

وإليك مذهب واحدٍ منهم في قضية؛ فاعرفه، بل احفظه وانشره، لعل من عنده بقية (علم) و(فهم) يرعوي:

«قال السفاحُ لأَبي دُلامَة: سَلْني حاجَتَك، قال: كلبُ صيدٍ، قال: أعطوه، قال: وغلامٌ يقود الكلبَ ويصيدُ به، قال: أعطوه غُلامًا، قال: وجارية تُصلحُ لنا الصيدَ وتُطْعمنا منه، قال: أعطوه جاريةً، قال: هؤلاء يا أميرَ المؤمنين عيالٌ ولا بُدَّ لهم من دار يسكنونها، قال: أعطوه دارًا تجمعهم، قال: وإِنْ لم تكن ضيعةٌ فمِن أين يعيشون؟ قال: قد أقطعتُك مئةَ جَريبٍ عامرةً ومئةَ جريبٍ غامرة، قال: وما الغامرة؟ قال: ما لا نباتَ به، قال: قد أَقطعتُك يا أميرَ المؤمنين خمس مئة جريبٍ غامرة من فيافي بني أسدٍ، فضحك وقال: اجعلوها كلَّها عامرةً، قال: فائذن لي أن أُقَبِّلَ يدَك، قال: أمَّا هذه فَدَعْها فإنِّي لا أفعلُ، قال: واللَّهِ ما منعتني شيئًا أقلَّ ضررًا على عيالي منها»([23]).

فمذهب هؤلاء العاملين بـ(تربية السياسة) لإقامة الدين قائمة على اختلال المنطق، وفساد القياس، وغياب الأصول!

إنَّنا نعدّ ضعف النتائج من أعمال (الأحزاب) و(التجمعات) آتيًا من الغفلة -أو التغافل- عن هذه الأصول، ومن إهمالهم للتربية الإيمانية، وإقامة الربانية، وتحقيق الولاية الشرعية.


* فجيعة:

لقد وصل هذا الداء لبعض أبناء الدعوة الحقَّة -الدعوة السلفية-، ولا سيما عند انتشارها، وكثرة أبنائها، ولا سيما ذاك الصنف المتهوِّر، الذين لم يعرفوا العلماء، ولم يخالطوهم، ولم يجثوا على الركب بين أيديهم، فراحوا ينفردون في المواقف، سواء من الأشخاص أو الأحداث، دون علم ولا فهم، ولا تجربة، ولا عقل، ولا حلم، دون تقدير للمواقف والآثار المترتبة عليها؛ حتَّى أخرجت العلماء من مقام التلطف في النصيحة لبعضهم إلى مقام الإيجاع في التنديد!!

وهنالك صنف آخر ظنوا أنَّ (السلفية) حُكْمٌ على الآخرين بالإعدام، فلا فرق بين فلتة وزلة، وزلة وخطيئة، وخطيئة وكبيرة، وكبيرة وشرك؛ فإِنْ ظهرت عورة فلا تُسْتَر، وإن سترت فلا يسكت عن صاحبها، وإنما توصف بأبشع وأشنع وأفحش الألفاظ، وهذا (الوصف)([24]) تلوكه الألسن، وتقذفه الأفواه، وتجتره الشفاه، وينتشر على أسنَّة الأقلام، ويستقر على الشبكات (العنكبوتية) (الإنترنت)!


* إلى هؤلاء وأولئك الملحقين أنفسهم بالمربين والأساتيذ والمشايخ:

يا هؤلاء وأولئك! أردتم أن تثلموا سيوف الحق، وأقلام الصدق، فلا تلوموا إلاَّ أنفسكم إذا خشن متنُهُ، وآلم جُرْحُهُ، فتجرّعوا هذه النصائح علىمرارتها في لهواتكم:

يا قومنا! إنَّا نخشى أن تفسدوا على الأُمَّة بهذه الدروس، وتينكم الطروس: الدمَ الجديد في حياتها، فمن الواجب أن يصان هذا الدم عن أخلاط الفساد، ومن الواجب أن يتمثّل فيهم (الحق) و(العدل) و(العلم) و(التزكية)، ومن الواجب أن تربَّى ألسنتهم وأقلامهم([25]) على الصدق والطهر والخير، لا على البذء وعورات الكلام.

يا إخواننا! إنَّ الأُمَّة تنظر إلى أعمالكم، وتسمع قيلكم، وإننا نتوقع أن تشعر بما في سلوككم من اضطراب وتناقض بين المبادئ والأعمال، فتنـزع -أو تتزعزع- ثقتها لا بكم، وإنما بالدين الحق، والمنهج الصدق، وَيَذهب الحق في الباطل، وإننا -واللَّهِ- لا نرضى لكم هذه العاقبة، ولا نرضى لأُمَّةٍ فقيرة من الرجال أن يسوء ظنها برجالها!

يا ..... ! إنَّ الدعاوى والزعم و(تكبير) الصغائر، وتصغير (الكبائر) كل ذلك مما لا يقوم عليه دين ولا تربية ولا خلق!

يا أصحابنا! إنكم أحرجتمونا بأقوالكم وأفعالكم ومواقفكم! فواللَّهِ لا أدري كيف تزعمون أنكم تخدمون (الدعوة) وقد قطَّعتم أوصالها، وشتمتم رجالها، وسفهتم كل رأي إلاَّ رأيكم، ولا أتصوَّر كيف تعلّمون (شبابها) وقد ضربتم المثل في تلك (الأوراق) و(الدروس) و(المجالس) (العالية) في أساليب السبّ، التي لم نعهدها إلاَّ من تلقين بعض (الأحزاب) لطائفة من (الشباب) في (معاهد) المقاهي والأزقّة، إن تضرية (الشبان) على الشتم والسباب والجرأة (جريمة) ما بعدها شر.

يا هؤلاء! إن لزم النقد([26])، فلا يكون (الباعثُ) عليه (الحقد)، وليكُنْ موجّهًا إلى (الآراء) بالتمحيص، لا إلى (الأشخاص) بالتنقيص!

يا أولئك! لعل مِنْ (صَنْعَتِكم) أَنْ تُضَيِّعُوا على (الأُمَّة) هذا (الجيل) وتفسدوا (مواهبه) و(إمكاناته)، وتلهوه بـ(مناقشاتكم) المرسومة -أو المزبورة!-!


* المحافظة على رأس المال:

فواللَّهِ إنَّا نخشى ذلك، ونخشى أكثر من ذلك على هذه (الثلة) المقبلة على العلم والعلماء، والمنكبّة على تحصيله، اسمعوا قول بعض أئمة المصلحين السلفيين([27]) ماذا يقول عن هذه (الثلة):

«هذه الطلائع التي هي آمال الأُمَّة، ومناطُ رجائها، والتي لا تحقق رجاء الأُمَّة إلاَّ إذا انقطعت إلى العلم وتخصصت في فروعه، ثم زحفت إلى ميادين العمل مستكملة الأدوات تامَّة التسلح، تتولى القيادة بإرشاد العلم، وتحسن الإدارة بنظام العلم، فتثأر لأُمَّتها من الجهل بالمعرفة، ومن الفقر بالغنى، ومن الضعف بالقوَّة، ومن العبودية بالتحرير، وتكتسح من ميدان الدين بقايا الدجالين، ومن ميدان السياسة والنيابة بقايا السماسرة والمتجرين، ومن أفق الرياسة بقايا المشعوذين والأُميين.

هذه الطائفة الطاهرة الطائفة بمناسك العلم قد ألهبتم في أطرافها الحريق بسوء تصرفكم، فبدأت تنصرف من رحاب العلم إلى أفنية المقاهي، ومن إجماع العلم إلى خلاف الحزبية.

إن من طلاب العلم هؤلاء من يدرُسُ الدين، وإن الدين لا يجيز لدارسه أن يفتيَ في أحكامه إلاَّ بعد استحكام الملكة، واستجماع الأدلة حذرًا من تحليل محرم، وإنَّ منهم الدارس للطب، وإن قانون الطب لا يجيزُ لدارسه أن يضعَ مبضعًا في جسمٍ إلاَّ بعد تدريب وإجازة خوفًا من إتلاف شخص... فهل بلغ من هوان الأُمَّة عليكم أن تضعوا حظها في الحياة في منـزلة أحط من حظ امرأة في طلاق، وأن تجعلوا حقها في الدواء أبخس من حق مريض على طبيبه» انتهى.

هذه نصائح مريرة، وحقائق شهيرة، لم نسمِّ فيها أحدًا، فمن استفزّه الغضبُ منها، أو نزا به الألم من وقعها؛ فهو المريب يكاد يقول خذوني!


* سياسة وكياسة:

يا إخواننا! إنَّ مع (السياسة) شيئًا يُسمَّى (الكياسة)، وهو خُلُقٌ ضروري للمختلفين، حتى لا تتبعثر (القوى) مع (الخلاف)، ولا يتشعب (الهوى) بين (الألوف) من (الأُلاّف)!


* تحذير:

يا إخواننا! ليس كل من تسربل بثوب هذه (الدعوة) منها! فلا تسمحوا لهؤلاء (الدخول) بينكم، ولا (التربع) على (عروشكم)! ولا النفخ في (آذانكم)، ولا الوسوسة في (قلوبكم) و(صدوركم)!


* ضروب وألوان:

واعلموا أنَّ هؤلاء على ضروب وألوان؛ فمنهم وسيلة (الشيطان) وسلاحه، ومنهم (الدسيسة) لأعوانه وحزبه، ومنهم من يخطب ودّ (الدعوة) إجلالاً، إلى رائم من (نفوذها) استغلالاً، إلى عامل على (الكيد) لها احتيالاً!


* صلح واتِّحاد:

يا إخواننا! يا أحباءنا! أَرُوا هؤلاء جميعًا أنكم (فوقهم)، وادعوهم لـ(الصلح) و(الإخلاص) و(الاتحاد) ودعوهم في ميدان (الرأي) المتشعِّب، و(الهوى) المفرِّق، وذكّروهم بمنهج علمائكم الكبار؛ فالتاريخ والمواقف يشهدان بأنهم نصروا الحق حيث دار، وأنهم يزنون الرجال بالأعمال، على مبدءٍ ثابتٍ راسخ، وبيان ناصع، وصراحة لا جمجمة فيها، وحقيقة لا يماري فيها إلاَّ ذو دخلة سيئة، أو هوى مضلّ.


* جريمة نكرة:

واللَّهِ! إنها لجريمة نكرة، تقيموا على أنفسكم دليلها: أنكم أعداء للعلم، وقطَّاع لطريقه، إن تركتم الانشغال به، وسبل تحصيله، وتعليمه، أو تساهلتم في نشره، أو صدكم شيء -كائن ما كان- عنه، أو زغتم عن الجادة التي ترككم عليها الكبار الكبار!


* الثبات الثبات:

يا إخواننا! اثبتوا على (الحق) و(العدل) الذي معكم، وهو تركة العلم فيكم ولكم، فإنَّ بثباتكم عليه تدحضون افتراء المفترين، وتقوّل المتقوّلين، وتشكيك المتربصين، وكيد الحاسدين، وتقطعون دابرهم، وتعلون عليهم، وما ظهر منهم وما بطن، وتثبتون أنَّ مبدأكم وغايتكم أعلى و(أغلى) من (المبادئ) كلها، ما استتر منها وما علن؛ فإنَّ الدين كله يقين لا يتزعزع، وبصائر لا تزيغ.


* السياسة التي نريد:

لا يلزم من كلامنا في (السياسة) أننا (نسوس)! ولا في (الساسة) أننا (سسنا)، ولا أظن أن أحدًا لا يتكلم في (السياسة)! ولكن قد يكون الكلام هو (الصلب)، وغالبًا هو (الملح)، وقد يكون في (الجهر)، وغالبًا في (السر)! وقد يكون بحلم، وغالبًا بانفعال وردّة فعلٍ! وقد يكون بحق وعدل، وغالبًا بجهل!

ما أجمل الكلام في (السياسة) بـ(كياسة)، وتوظيف ما يجري من (أحداث) لترسيخ ما جاء في نصوص الوحيين الشريفين، والبُعد عن الظن والتخمين، والبقاء في دائرة اليقين!

ومما ينبغي أن يعلم: أنَّنا بحاجة إلى (السياسة) -بمعناها الشرعي- في عملية الإصلاح، فتغيير المفاهيم الأساسية من مبادئ ومفاهيم، وتكثير عدد أتباع الحق، وتحييد أكبر عدد من غيرهم، لا يتم ذلك إلاَّ باتباع سياسة التدريج والتغيير، وفق سنة اللَّهِ الشرعية والكونية: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].

ويعلم بيقين أنَّ المراد بـ(التغيير) ما أشرنا إليه من وجود (أُسسه) و(مؤسساته)، فعليهم وبهم يتأسس، فمن (السياسة): (التأسيس): وهذا عمل (الدعاة) و(طلبة العلم) و(الخطباء) و(الوعاظ) و(الآمرين بالمعروف) و(الناهين عن المنكر)([28]).

وأمَّا عنصر (التنفيذ) فليس لهؤلاء، والعجلة في هذا الباب -من غير اعتبار تقعيدات العلماء الكبار، واعتماد فتاويهم في هذا المضمار- مقتل للأُمَّة! فضلاً عن ذلك الصنف من المتوثبين من (القلقين) و(المتحمِّسين)!

وهذا (الصنف) إنْ بقي متماسكًا؛ فإنَّ جل أفراده يدورون ويتحوّلون، ويعلمون في نهاية المطاف ما أخبرتك به من فرق بين (تأسيس التغيير) و(تنفيذ التغيير)!

فكما أنَّ دورة (الشر): ظهور، فانتشار، فعموم، فاستقرار، فاستحكام، فاستعصاء، فعلوّ وحكم؛ فهكذا دورة (الخير)!

فتنبه! ولا تكن من الغافلين!!

وآخر دعوانا أنِ الحمدُ للَّهِ ربِّ العالمين.



--------------------------------------------------------------------------------

([1]) (ص 67-68 - ضمن كتاب «دراسات في تأصيل المعرّبات والمصطلح») للدكتور حامد قنيبي.

([2]) (2/1056).

([3]) (1/179).

([4]) (3/938).

([5]) (6/108).

([6]) (ص 710).

([7]) «اللغة العربية لغة العلوم» (ص 318).

([8]) بالفارسية: الاحتفاظ.

([9]) انظر: «معجم المصطلحات الاقتصادية» (ص 195-196)، و«الموسوعة الفقهية الكويتيّة» (25/296)، و«معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية» (2/307).

([10]) هو: الأستاذ قطب مصطفى سانو في «معجم مصطلحات أصول الفقه» (ص 239).

([11]) في كتابه «الفنون» -كما في «الطرق الحكمية» (ص 15 - ط. العسكري).

([12]) رواه البخاري (4987) (فضائل القرآن: باب جمع القرآن) من حديث أنس بن مالك.

([13]) رواه البخاري (3017) (الجهاد: باب لا يُعذَّب بعذاب اللَّه)، و(6922) (استتابة المرتدين: باب حكم المرتد والمرتدة) من طريق أيوب عن عكرمة، قال: أُتِيَ عليٌّ بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباس...

وانظر: «مصنف ابن أبي شيبة» (6/586)، و«جامع الترمذي» (1462)، و«سنن البيهقي» (8/195)، و«المجالسة» (3/454-455) وتعليقي عليه، و«فتح الباري» (6/151).

([14]) خرجتُها في تعليقي على «الحنائيات» رقم (266).

([15]) وانظر كذلك: «الطرق الحكمية» له (ص 12، 308).

([16]) من كلام ابن القيم -رحمه اللَّه- في «الإعلام» (6/517 - بتحقيقي).

([17]) مثله قول ابن القيم -رحمه اللَّه- في «الإعلام» (6/517 - بتحقيقي):

«وتقسيم بعضهم طرق الحكم إلى شريعة وسياسة، كتقسيم غيرهم الدين إلى شريعة وحقيقة، وكتقسيم آخرين الدين إلى عقل ونقل، وكلُّ ذلك تقسيم باطل!

بل السياسة والحقيقة والطريقة والعقل؛ كلُّ ذلك ينقسم إلى قسمين: صحيح وفاسد؛ فالصحيح قسم من أقسام الشريعة، لا قسيم لها، والباطل ضدها ومنافيها!

وهذا الأصل من أهم الأصول وأنفعها، وهو مبنيٌّ على حرف واحدٍ، وهو عموم رسالة النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى كُلِّ ما يحتاج إليه العباد في معارفهم وعلومهم وأعمالهم، وأنَّه لم يحوج أُمَّتَهُ إلى أحدٍ بعده، وإنَّما حاجتهم إلى مَن يبلِّغهم عنه ما جاء به...».

... في أنواع من التقسيمات من حيثيات متعددات.

([18]) أخرجه البخاري (3455)، ومسلم (1842) من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-.

([19]) «وأمَّا استحلال القتل باسم الإرهاب الذي تسميه وُلاةُ الجور سياسةً، وهيبةً، وناموسًا، وحرمةً للملك؛ فهو أظهر من أن يذكر»؛ قاله ابن تيمية -رحمه اللَّه تعالى- مثالاً من الأمثلة التي سردها بعد أَنْ ذَكَرَ الحديث الذي روي موقوفًا عن ابن عباس -رضي اللَّه عنه-، ومرفوعًا إلى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، حيث قال: «يأتي على الناس زمانٌ يُستحلُّ فيه خمسة أشياء بخمسة أشياء:...، والقتل بالرهبة،...». انظر: «بيان الدليل» (105)، و«إعلام الموقعين» (4/529، 530 - بتحقيقي).

أخرج الحديثَ المرفوعَ الخطابيُّ في «غريب الحديث» (1/218)، وإسناده ضعيف؛ لأنَّه معضل، فرفعه الأوزاعي إلى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولم أقف على الموقوف، فإِنْ كان له إسنادٌ متماسك فيُحتجُّ به؛ فمثل هذا لا يقال بالرأي.

([20]) أي: دون المصلحين من العلماء الربانيين.

([21]) هو الشيخ العلامة، محدّث العصر، محمد ناصر الدين الألباني -رحمه اللَّه تعالى-.

([22]) لا يحاكم أحد إلا بمراده، ولا يعلم ذلك -على الوجه الحق- إلا خواصّه، وأكتب هذه السطور وأنا أدرك جيّدًا مراد شيخنا الألباني من مقولته السابقة.

([23]) انظر: «الأغاني» (10/248-249)، «محاضرات الراغب» (2/547)، «التذكرة الحمدونية» (8/182)، «المستطرف» (2/56).

([24]) هكذا بالإفراد؛ لأنَّه واحد في جميع الأشخاص، لجميع الهفوات! وهو (الإعدام)!

([25]) إذ أصبح كل من يحسن الحروف مؤلفًا أو كاتبًا! وهذا تفريع على قاعدة: (المنهي عنه شرعًا ليس كالمعدوم حسًّا)؛ فتنبه! ولا تكن من الجاهلين!

([26]) نقد مَن أخطأ من طلبة العلم في مسائل جزئيات، وأصوله وعقيدته ومنهجه على السداد والصواب، مع التنويه أن الردَّ على أهل البدع باب من أبواب الجهاد.

([27]) هو الشيخ الإمام محمد البشير الإبراهيمي في جريدته «البصائر».

([28]) جميع هؤلاء بمثابة (جند) و(مساعدين) للعلماء الكبار، والآفة العظيمة: جعل (الدعاة) في (شق)، و(العلماء) في (آخر).

فالأصل بينهم (التكامل) لا (التآكل)؛ كحال (الأمراء) مع (العلماء)، وإلى اللَّهِ المشتكى من الفصل بين مصادر القوة والعزّ في الأُمَّة.

ومن المصايب أن ينشغل هذا الصنف بـ(تنفيذ التغيير)، ولو بـ(التهييج)!!

الأربعاء، 21 فبراير 2007

تخيلوا رجلا محترما لابســــــا لا شــــــيء( من القديم )

قال تعالى : لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعاً عَلِيماً [النساء : 148] التفسير الميسر :
لا يُحِبُّ الله أن يَجهر أحدٌ بقول السوء, لكن يُباح للمظلوم أن يَذكُر ظالمه بما فيه من السوء; ليبيِّن مَظْلمته. وكان الله سميعًا لما تجهرون به, عليمًا بما تخفون من ذلك.



ولذلك أجد نفسي مضطرا أن أجهر بالسوء لاحقاق حق غاب عن أذهان الكثير كما يتبين لي وللأسف
أيها الاخوة والأخوات



أرجوكم



لتجعلوا المكان المخصص للخيال في عقولكم وعقولكن على أتم جاهزيته






مستعدون







اذا




لنبدأ



فلان ( الاسم الرمزي ) رجل مسلم مؤمن
يقوم بأركان الاسلام كاملة من الشهادتين والى الحج
ويعتقد عقيدة الايمان كاملها من الايمان بالله عز وجل الى الايمان بالقدر خيره وشره
وربما تنفل
وربما بكت عيناه من خشية الله

وربما
وربما وربما













فلان اعتاد على لباس يألفه غالبية المجتمع
عبارة عن ( استرتش ) شفاف يغطي عورته

لاغير
ومعظم رجال هذا المجتمع اعتادوا على ارتداء هذا اللبس
فما الاشكال في ذلك
وهم لا يزيدون على هذه الثياب الستيرة الا وقت الصلاة
وربما البعض منهم لا يقتنع بهذا الاسترتش الذي يرى فيه تحجرا وتقييدا لحريته الجامحة فيخرج بلا لباس فما الفرق


اللباس ليس بفضفاض
وليس بساتر








(فلان) رأى ( علان ) وهو مرتد ثوبا رجاليا مثل الذي نرتديه معاشر الرجال في الغالب


سأل فلان علانا ما هو هذا الثوب الذي ترتديه



لم تقيد نفسك؟ الدين يسر! لم تشذ عن الناس؟ ......... ألخ


أجاب علان الدين يأمرني بذلك في الكتاب والسنة



وأنت مخطئ في لبسك واثم لأنك لم تقم بالغاية المراد منها ستر العورة





يقاطعه فلان رجاء لا تتعد حدودك أنا محافظ على تعاليم الشريعة
وأنت رجل متشدد





علان يقول لفلان رجاء لا تتعجل بالقاء التهم علي
غاية المقصود من ستر العورة هو أن لا تشف ثيابك عليها
وأن لا تحجم عورتك ولكن للأسف الشرطان معدومان عندك


فلان مقاطعا : بس يا علان الله يهديك عورة الرجل ما بين السرة والركبة وأنا ألبس ثيابا تغطيها لم تشدد علي انظر لمن هم حولك انهم لا يختلفون كثيرا عني
أنت ومجموعة قليلة مثلك هم من يلبسون هذه الثياب الثقيلة المقيدة هداك الله واياهم




وبعد أخذ ورد بين فلان وعلان نتج عن ذلك أنهما لم يتفقان فأعرض فلان عن علان وعلان عن فلان ......

اتهت القصة
والان جاء وقت البيان






فلان هو رمز لغالب نساء المؤمنين
علان امرأة مؤمنة محتشمة بالحجاب الشرعي




وجه التشبيه في فلان : نساء الأمة ولله الحمد يظهر منهن الخير الكثير ولله الحمد ولكن أكثرهن للأسف لسن ملمات بشروط حجابهن الشرعي ...... ويعتقدن أن حجابهن الل ئي يرتدينه هو تلك القطعة من القماش التي تسمى عندنا ( الملفع ) وهن لا يشعرن بخطأهن لعموم هذه البلوى عليهن مع الأسف الشديد .......


أما علان فهو رمز للمرأة المحتشمة التي تعلم أن الحجاب ليس فقط قطعة قماش تغطي به رأسها فحسب
بل هي تعلم علم اليقين أن للباس المرأة أمام الأجانب له شروط يجب أن لا تخل بأحدها والا عصت الهها ونبيها
لكن ماهو وجه الشبه بين لبس فلان والنساء المقصرات
وما هو وجه الشبه بين لبس علان و النساء المحتشمات






الاجابة : عورة الرجل هي ما بين السرة والركبة على أحوط قولي العلماء


المرأة أمام الأجانب كلها عورة على أحوط أقوال العلماء

ماذا نستنتج ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
المرأة التي تقصر في حجابها هي فلان الذي يتمشى أمام الملأ بالاسترتش الذي لا يسمن ولا يغني من جوع محافظا على الاداب العامة ولا يرى في لبسه الشنيع غضاضة فهو يعد نفسه انسانا محترما متربيا أحسن تربية

المرأة التي تلتزم بحجابها هي علان التي يشق الفلانيون عليها وفي الحقيقة هم الذين يحتاجون شفقتنا عليهم الذي يرتدي اللبس المحتشم الساتر لعورته ويرى أن فلانا مهما ارتقت أخلاقه فهو قليل أدب وكل من هم مثله سواء علموا أم جهلوا ويجب على المسؤول عنه أمره بالاحتشام وان أبى



أختاه مع من أنت مع فلان ( العاصي ) أم علان ( المطيع)


أيها المربون كونوا اباء علان وان اضطررتم الى القسوة
ولا تكونوا اباء لفلان فانكم عن ذلك لمسأولون
ونأسف على الاطالة وشكرا