عدد المشاهدات

الأربعاء، 7 مارس 2007

حد الردة؛ هو السياج المنيع والحصن الحصين لحماية هذا الدين والحفاظ على المسلمين

أدلة قتل المرتد
[الكاتب: الأمين الحاج محمد أحمد]
حد المرتد ثبت بالسنة القولية، والفعلية، والتقريرية، وبما صحَّ عن الخلفاء الراشدين وحكام المسلمين، وإليك الأدلة:

أ) من السنة القولية، والفعلية، والتقريرية:



وفي رواية للدارقطني كما قال الحافظ في "الفتح": (من رأى منكم ابن أخطل فليقتله)، ومن رواية زيد بن الحباب عن مالك بهذا الإسناد: (وكان ابن أخطل يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشعر) [16].

وقال الحافظ ابن حجر: (وأخرج عمر بن شبة في "كتاب مكة" من حديث السائب بن يزيد قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استخرج من تحت أستار الكعبة عبد الله بن أخطل فضربت عنقه صبراً بين زمزم ومقام إبراهيم، وقال: لا يقتلن قرشي بعد هذا صبراً"، ورجاله ثقات، إلا أن في أبي معشر مقالاً، والله أعلم).

وقال: (وروى الطبراني من حديث ابن عباس...وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أمراءه أن لا يقتلوا إلا من قاتلهم، غير أنه أهدر دم نفر سمَّاهم، وقد جمعت أسماءهم من مفرقات الأخبار، وهم: عبد العزى بن أخطل، وعبد الله بن أبي السرح، وعكرمة بن أبي جهل، والحويرث بن نُقَيد بنون وقاف مصغَّر، ومقيس بن صَبَابة بمهملة مضمومة وموحدتين الأولى خفيفة، وهبار بن الأسود، وقينتان كانتا لابن أخطل كانتا تغنيان بهجو النبي صلى الله عليه وسلم، وسارة مولاة بني عبد المطلب وهي التي وُجِدَ معها كتاب حاطب، فأما ابن أبي السرح فكان أسلم ثم ارتد فشفع فيه عثمان يوم الفتح إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحقن دمه وقبل إسلامه... وأما مقيس بن صَبَابة فكان أسلم ثم عدا على رجل من الأنصار فقتله، وكان الأنصاري قتل أخاه هشاماً خطأ، فجاء مقيس فأخذ الدية ثم قتل الأنصاري ثم ارتد، فقتله نميلة بن عبد الله يوم الفتح) [17].

وشاهدنا من هؤلاء في إهدار دم وقتل من أسلم ثم ارتد، وهم؛ عبد الله بن أبي السرح، ومقيس بن صبابة، وسارة.





ب) قتل الخلفاء الراشدين والصحابة المهديين للمرتدين:

1) خرَّج البخاري في صحيحه بسنده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح، وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاءه رجل فقال: ابن أخطل متعلق بأستار الكعبة؛ فقال: اقتله) [15]. 2) ما صحَّ عن ابن عباس رضي الله عنهما يرفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه قال: (من بدَّل دينه فاقتلوه) [18]. 3) وما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يحلُّ دمُ امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث)، وذكر منهم: (التارك لدينه المفارق للجماعة) [19].
  • قتل أبي موسى ومعاذ رضي الله عنهما ليهودي أسلم ثم تهوَّد:

    خرَّج البخاري في صحيحه بسنده إلى أبي موسى عندما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ثم أتبعه بمعاذ، فلما قدم معاذ على أبي موسى ألقى له وسادة، قال: (انزل، فإذا رجل عنده موثق، قال: ما هذا؟ قال: كان يهودياً فأسلم ثم تهود؛ قال: اجلس؛ قال: لا أجلس حتى يُقتل قضاء الله ورسوله، ثلاث مرات؛ فأمر به فقتل) [20].

  • إقناع أبي بكر لعمر وغيره بقتال المترتدين، وإجماع الصحابة على قتلهم بعدُ:

    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر، وكفر من كفر من العرب، قال عمر: يا أبا بكر، كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله"؟ قال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها، قال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيتُ أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفتُ أنه الحق) [21].

    الذين قاتلهم الصديقُ ثلاث طوائف كما قال ابن حزم رحمه الله في "الملل والنحل":

  • طائفة أعلنت الكفر وارتدت، واتبعت المتنبئين مسيلمة، وطليحة، والأسود، وسجاح.

  • وطائفة بقيت على إسلامها ولكن منعوا الزكاة.

  • وطائفة تربصت حتى ترى لمن الغلبة.

    فقُتل الأسود العنسي، ومسيلمة، وعاد طليحة إلى الإسلام وكذا سجاح، ورجع غالب من كان ارتد إلى الإسلام، ولم يحل الحول إلا والجميع قد راجعوا دين الإسلام، ولله الحمد - كما قال الحافظ ابن حجر [22] - وذلك بفضل الله، ثم عزيمة وشجاعة أبي بكر وإقامة هذا الحد على المرتدين، الذي لولاه لضاع الدين ولتهدمت أركانه.

  • قتل عليّ وحرقه لجماعة من الرافضة ألَّهوه وعبدوه:

    خرَّج البخاري في صحيحه عن عكرمة قال: (أتي علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباس، فقال: لو كنتُ أنا لم أحرقهم لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تعذبوا بعذاب الله"، ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بدَّل دينه فاقتلوه") [23].
    خرج علي يوماً من المسجد بالكوفة بباب كندة فإذا جماعة من الرافضة المخذولين سجدوا له، فقال لهم: (ما هذا؟)، قالوا له: أنت خالقنا ورازقنا، فقال لهم: (سبحان الله إنما أنا بشر مثلكم إن شاء رحمني، وإن شاء عذبني)، فاستتابهم عليٌّ ثلاثة أيام، وتهددهم إن لم يتوبوا بالإحراق بالنار، فلم يفد، فأمر بحفر الأخاديد وملأها بالحطب وأشعلها ناراً، ثم ألقاهم فيها، وقال مرتجزاً:

    (لما رأيتُ الأمر أمراً منكراً أججت ناري ودعوتُ قنبرا) [24].

    فهؤلاء الزنادقة لم يقاتلوا ولم يحاربوا علياً، بل عبدوه، ومع ذلك قتلهم ثم حرقهم بالنار بعد قتلهم تعزيراً، مما يدل على أنه لا فرق بين الردة الفكرية أو المصحوبة بمحاربة في العقوبة، بل كانت عقوبة هؤلاء الزنادقة أشد، لاتخاذهم علياً رضي الله عنه إلهاً.

  • قتل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه لشيخ نصراني أسلم ثم ارتد عن الإسلام:

    فقال له علي: (لعلك إنما ارتددت لأن تصيب ميراثاً [25] ثم ترجع إلى الإسلام؟)، قال: لا! قال: (فلعلك خطبت امرأة فأبوا أن يزوجوكها، فأردت أن يزوجوكها ثم تعود إلى الإسلام؟)، قال: لا! قال: (فارجع إلى الإسلام)، قال: لا، حتى ألقى المسيح! قال: فأمر به عليّ فضربت عنقه، ودفع ميراثه إلى ولده من المسلمين [26].

    وعن أبي عمرو الشيباني أن المِسْوَر العجلي تنصَّر بعد إسلامه، فبعث به عتيبة بن أبي وقاص إلى علي فاستتابه، فلم يتب، فقتله، فسأله النصارى جيفته بثلاثين ألفاً، فأبى عليٌّ وأحرقه [27].

  • قتل أبي موسى الأشعري رضي الله عنه لستة نفر من بكر بن وائل كانوا قد ارتدوا عن الإسلام [28].

  • أخذ ابن مسعود رضي الله عنه قوماً ارتدوا عن الإسلام من أهل العراق، فكتب فيهم إلى عثمان رضي الله عنه، فردّ عليه عثمان: (أن اعرض عليهم دين الحق، وشهادة أن لا إله إلا الله، فإن قبلوها فخلِّ عنهم، فإن لم يقبلوها فاقتلهم)، فقبلها بعضهم فتركهم، ولم يقبلها بعضهم فقتلهم [29].

    ج) الإجماع:

    لهذا أجمعت الأمة من لدن الصحابة ومن بعدهم على قتل المرتد.

    د) قتل ولاة أمر المسلمين للزنادقة والمرتدين:

  • قتل عبد الملك بن مروان رحمه الله لمعبد الجهني، لأنه أول من تكلم في القدر:

    قال ابن كثير: (وقد كانت لمعبد عبادة وفيه زهادة..، وقال الحسن البصري: إياكم ومعبداً فإنه ضال مضل... صلبه عبد الملك بن مروان في سنة ثمانين بدمشق ثم قتله) [30]، جزاه الله خيراً.

  • قتل عبد الملك بن مروان للحارث الكذاب؛ وكانت له علاقة بالشياطين، فأضلته، فقتله عبد الملك بن مروان بدمشق [31].

  • قتل الأمير خالد بن عبد الله القسري للجعد بن درهم، لإنكاره لصفتين من صفات الله عز وجل:

    عن حبيب بن أبي حبيب قال: (خطبنا خالد بن عبد الله القسري بواسط يوم الأضحى فقال: أيها الناس ارجعوا فضحوا تقبل الله منا ومنكم، فإني مضح بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله تبارك وتعالى لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً، سبحانه وتعالى عما يقوله الجعد بن درهم علواً كبيراً؛ ثم نزل فذبحه، وكان ذلك في سنة 124 هـ) [32].

  • قتل أسلم بن أحوز للجهم بن صفوان لإنكاره لصفات الله عز وجل متوهماً تنزيهه بذلك:

    قال الذهبي رحمه الله: (إن أسلم بن أحوز قتل جهمَ بن صفوان لإنكاره أن الله كلم موسى) [33].

    وكان ذلك في سنة 128 هـ.

    قال الحافظ ابن عساكر رحمه الله: (وكان الجعد يسأل وهباً عن صفات الله عز وجل، فقال له وهب يوماً: ويلك يا جعد، أقصر المسألة عن ذلك، إني لأظنك من الهالكين، لو لم يخبرنا الله في كتابه أن له يداً ما قلنا ذلك، وأن له عيناً ما قلنا ذلك، وأن له سمعاً ما قلنا ذلك) [34].

    هذه السلسلة الشيطانية الخبيثة؛ الجهم بن صفوان، عن الجعد بن درهم، عن معبد الجهني، ثمرة خبيثة من ثمار علم الكلام والجدل.

  • وروى الدارمي عثمان بن سعيد في كتابه "الرد على الجهمية": (أتى خالد بن عبد الله القسري برجل قد عارض القرآن، فقال: قال الله في كتابه: {إنا أعـطيناك الكوثر * فصلِّ لربك وانحر * إن شانئك هو الأبتر}، وقلت أنا: "إنا أعطيناك الجماهر، فصل لربك وجاهر، ولا تطع كل سافه وكافر"، فضرب خالد عنقه، وصلبه، فمرَّ به خلف بن خليفة وهو مصلوب، فضرب بيده على خشبته فقال: "إنا أعطيناك العمود، فصل لربك على عود، فأنا ضامن لك ألا تعود") [35].

  • روى الذهبي بسنده إلى أبي بكر بن عياش، قال: (رأيتُ خالداً القسري حين أتى بالمغيرة بن سعيد وأصحابه، وكان يريهم - أي المغيرة - أنه يحيي الموتى، فقتل خالد واحداً منهم، ثم قال للمغيرة: أحيه، فقال: والله ما أحيي الموتى، قال: لتحيينه أو لأضربن عنقك، ثم أمر بطَنٍّ من قصب فأضرموه، فقال: اعتنقه، فأبى، فعدا رجل من أتباعه فاعتنقه، قال أبو بكر: فرأيتُ النار تأكله وهو يشير بالسبابة، فقال خالد: هذا والله أحق بالرئاسة منك، ثم قتله وقتل أصحابه).

    قال الذهبي عن المغيرة هذا: (كان رافضياً، خبيثاً، كذاباً، ساحراً، ادعى النبوة، وفضَّل علياً على الأنبياء، وكان مجسماً، سقت أخباره في "ميزان الاعتدال" [36]) [37].

    ثم ذكر الذهبي قتل خالد للجعد بن درهم، ثم قال: (هذه من حسناته، هي وقتله مغيرة الكذاب) [38].

    قلتُ: كان خالد القسري شجاعاً كريماً، ولكنه كان رقيق الدين مبيراً - كالحجاج بن يوسف - وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لينصر هذا الدين بالرجل الفاجر)، لأن فجوره لنفسه، وقتله لهذين المرتدين من حسناته التي نسأل الله أن يكفر بها سيئاته.

  • قتل هشام بن عبد الملك لغيلان القدري لإنكاره القدر، بعد أن تهدده عمر بن عبد العزيز بالقتل من قبل، ولكنه تظاهر بالتوبة.

  • تتبع الخليفة المهدي العباسي للمرتدين والزنادقة وقتله لهم:

    قال الحافظ ابن كثير رحمه الله - وهو يؤرخ لعام ست وسبعين ومائة -: (وفيها تتبع المهدي جماعة من الزنادقة في سائر الآفاق فاستحضرهم وقتلهم صبراً بين يديه، وكان المتولي أمر الزنادقة عمر الكلواذي) [39].

    وقال الذهبي في ترجمة المهدي: (كان جواداً، ممداحاً، معطاءً، محبباً إلى الرعية، قصاباً في الزنادقة، باحثاً عنهم) [40].

    وقال ابن الجوزي في كتابه "المنتَظَم في تاريخ الملوك والأمم" - وهو يؤرخ لعام سبع وستين بعد المائة -: (وفيها جدَّ المهدي في طلب الزنادقة والبحث عنهم في الآفاق وقتلهم، فولى أمرهم عمر الكلواذيّ، فأخذ يزيد بن الفيض كاتب المنصور، فأقر فحبس فهرب من الحبس) [41].

    ثم روى بسنده قائلاً: (اتهم المهدي صالحَ بن عبد القدوس البصري بالزندقة، فأمر بحمله إليه فأحضر...)، إلى أن قال: (قال ابن ثابت: وقيل إنه بلغه عنه أبيات يعرِّض فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم، قال: ويقال إنه كان مشهوراً بالزندقة، وله مع أبي الهذيل العلاف مناظرات).

  • قتل الخليفة موسى الهادي العباسي لبعض الزنادقة والمرتدين:

    روى ابن الجوزي بسنده إلى المطلب بن عكاشة المزني قال: (قدمنا على أمير المؤمنين الهادي شهوداً على رجل منا شتم قريشاً وتخطى إلى ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم، فجلس لنا مجلساً أحضر فيه فقهاء أهل زمانه، ومن كان بالحضرة على بابه، وأحضر الرجل وأحضرنا، فشهدنا عليه بما سمعنا منه، فتغير وجه الهادي، ثم نكس رأسه، ثم رفعه فقال: إني سمعت أبي المهدي يحدث عن أبي المنصور، عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن عبد الله، عن أبيه عبد الله بن عباس قال: من أراد هوان قريش أهانه الله، وأنت يا عدو الله لم ترض بأن أردت ذلك من قريش حتى تخطيتَ إلى ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، اضربوا عنقه، فما برحنا حتى قتل) [42].

    وقال ابن الجوزي - وهو يؤرخ لسنة تسع وستين ومائة -: (وفيها اشتدّ طلب موسى للزنادقة، فقتل منهم جماعة، فكان فيمن قتل؛ كاتب يقطين وابنه علي بن يقطين، وكان علي قد حج فنظر إلى الناس في الطواف يهرولون، فقال: ما أشبههم ببقر يدور في البيدر، فقال شاعر:

    قل لأمين الله في خلقه
    وارث الكعبة والمنبر
    ماذا ترى في رجل كافر يشبِّه الكعبة بالبيدر؟!
    ويجعل الناس إذا ما سعوا حُمْراً يَدُوس البُرَّ والدَّوسر؟!

    فقتله موسى ثم صلبه) [43].

    إلى أن قال: (وقتل من بني هاشم؛ يعقوب بن الفضل بن عبد الرحمن بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وكان المهدي أتى به وبابن لداود بن علي فحبسهما لما أقرّا بالزندقة، وقال ليعقوب: لولا محمد رسول الله من كنتَ! أما والله لولا أني كنت جعلتُ على الله عهداً إن ولاني أن لا أقتل هاشمياً لما ناظرتك، ثم التفت إلى الهادي، فقال: يا موسى، أقسمتُ عليك بحقي إن وليتَ هذا الأمر من بعدي أن لا تناظرهما ساعة واحدة، فمات ابن داود بن علي في الحبس قبل وفاة المهدي، فلما قدم الهادي من جرجان ذكر وصية المهدي، فأرسل إلى يعقوب وألقى عليه فراشاً وأقعِدت عليه الرجال حتى مات، ولها عنه).

  • قتل أبي منصور الحلاج وصلبه لادعائه الألوهية، والقول بالحلول، وقوله: {أنا الحق)، مع تمسكه في الظاهر بالشريعة:

    قال القاضي عياض رحمه الله: (وقد أحرق علي بن أبي طالب رضي الله عنه من ادعى الألوهية، وقد قتل عبد الملك بن مروان الحارث المتنبئ وصلبه، وفعل ذلك غير واحد من الخلفاء والملوك بأشباههم، وأجمع علماء وقتهم على صواب فعلهم... والمخالف في ذلك في كفرهم؛ كافر.

    وأجمع فقهاء بغداد أيام المقتدر - توفي 320 هـ - من المالكية وغيرهم وقاضي قضاتها أبو عمر المالكي [44]؛ على قتل الحلاج وصلبه لدعواه الألوهية، والقول بالحلول، وقوله: "أنا الحق"، مع تمسكه في الظاهر بالشريعة، ولم يقبلوا توبته) [45].

    وقال الذهبي عن الحلاج: (فهو صوفي الزي والظاهر، متستر بالنسب إلى العارفين، وفي الباطن فهو من صوفية الفلاسفة أعداء الرسل، كما كان جماعة في أيام النبي منتسبون إلى صحبته وإلى ملته وهم في الباطن من مردة المنافقين، قد لايعرفهم النبي ولا علم بهم، قال تعالى: {ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم}، فإذا جاز على سيد البشر أن لا يعلم ببعض المنافقين وهم معه في المدينة سنوات فبالأولى أن يخفى حال جماعة من المنافقين الفارغين عن دين الإسلام بعده عليه السلام على العلماء من أمته) [46].

    روى الحافظ ابن كثير عن الخطيب البغدادي بسنده عن أبي عمر بن حيوة قال: (لما أُخرج الحسين بن منصور الحلاج للقتل، مضيت في جملة الناس، ولم أزل أزاحم حتى رأيته فدنوت منه فقال لأصحابه: لا يهولنكم هذا الأمر، فإني عائد إليكم بعد ثلاثين يوماً، ثم قتل فما عاد.

    وذكر الخطيب أنه قال وهو يُضرب لمحمد بن عبد الصمد والي الشرطة: ادع بي إليك فإن عندي نصيحة تعدل فتح القسطنطينية، فقال له: "قد قيل لي إنك ستقول مثل هذا، وليس إلى رفع الضرب عنك سبيل"، ثم قطعت يداه ورجلاه، وحز رأسه، وأحرقت جثته، وألقي رمادها في دجلة، ونصب الرأس يومين ببغداد على الجسر، ثم حمل إلى خرسان، وطيف به في تلك النواحي، وجعل أصحابه يَعِدُون أنفسهم برجوعه إليهم بعد ثلاثين يوماً، وزعم بعضهم أنه رأى الحلاج من آخر ذلك اليوم وهو راكب على حمار في طريق النهروان [47]، فقال: "لعلك من هؤلاء النفر الذين ظنوا أني أنا هو المضروب المقتول، إني لست به، وإنما ألقي شبهي على رجل ففعل به ما رأيتم"! وكانوا بجهلهم يقولون: "إنما قتل عدو من أعداء الحلاج"، فذكر هذا لبعض علماء ذلك الزمان، فقال: "إن كان هذا الرائي صادقاً، فقد تبدى له شيطان على صورة الحلاج ليضل الناس به، كما ضلت فرقة النصارى بالمصلوب".

    إلى أن قال الخطيب: ونودي ببغداد أن لا تشترى كتب الحلاج ولا تباع، وكان قتله لست بقين من ذي القعدة سنة تسع وثلاثمائة ببغداد) [48].

  • ابن أبي الفراقيد؛ قتل بسبب ادعائه الألوهية سنة 322 هـ:

    قال القاضي عياض: (وكذلك حكموا - أي العلماء - في ابن أبي الفراقيد وكان على نحو مذهب الحلاج بعد هذا أيام الراضي بالله - العباسي المتوفي 329 هـ، وقاضي قضاة بغداد يومئذ أبو الحسين بن أبي عمر المالكي) [49].

    قال محقق الشفا: (هو محمد بن علي بن أبي الفراقيد، شاع أمره في بغداد، وادعى الألوهية، وأنه يحيي الموتى، فطلبه الراضي فهرب سنين، ثم عاد فهجم عليه ابن مقلة وأمسكه فأثبت كفره وكتب عليه القضاة، وأفتوا بقتله، وأحرقت جثته سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة) [50].

  • ابن أبي عون، وكان على طريقة الحلاج؛ فقتل:

    قال محقق الشفا: (وتبعه - أي ابن أبي الفراقيد - على حاله ابن أبي عون صاحب "كتاب التنبيه"؛ فقتل معه) [51].

  • قتل الأمير عبد الرحمن بن الحكم رحمه الله "لابن أخي عَجَب" لتعرضه بساقط القول وسخيفه للرب جل جلاله:

    قال القاضي عياض رحمه الله: (وأما من تكلم من سقط وسخف اللفظ ممن لم يضبط كلامه، وأهمل لسانه، بما يقتضي الاستخفاف بعظمة ربه، وجلالة مولاه... أو تمثل في بعض الأشياء ببعض ما عظم الله من ملكوته، أو نزع من الكلام لمخلوق بما لا يليق إلا حق خالقه غير قاصد للكفر والاستخفاف ولا عامد للإلحاد، فإن تكرر هذا منه، وعرف به، دلّ على تلاعبه بدينه، واستخفافه بحرمة ربه، وجهله بعظيم عزته وكبريائه، هذا كفر لا مرية فيه، وكذلك إن كان ما أورده يوجب الاستخفاف والتنقص لربه.

    وقد أفتى ابن حبيب [52] وأصْبَغ بن خليل [53] من فقهاء قرطبة بقتل المعروف بابن أخي عَجَب [54]، وكان خرج يوماً فأخذه المطر، فقال: "بدأ الخراز يرش جلوده" [55]، وكان بعض الفقهاء بها... أبو زيد صاحب الثمانية [56]، وعبد الأعلى بن وهب، وأبان بن عيسى، وقد توقفوا عن سفك دمه، وأشاروا إلى أنه عبث بالقول، ويكفي فيه الأدب، وأفتى بمثله القاضي حينئذ موسى بن زياد، فقال ابن حبيب: دمه في غيض... أيشتم رباً عبدناه ثم لا ننتصر له؟! إنا إذاً لعبيد سوء، ما نحن له بعابدين؛ وبكى، ورُفِع المجلس إلى الأمير بها عبد الرحمن بن الحكم الأموي، وكانت عَجَب عمة هذا المطلوب من حظاياه، وأعلِم باختلاف الفقهاء [57]، فخرج الإذن من عنده بالأخذ بقول ابن حبيب وصاحبه، وأمر بقتله، فقتل وصلب بحضرة الفقيهين، وعزل القاضي بالمداهنة في هذه القضية، ووبخ بقية الفقهاء وسبهم) [58].

    جزى الله الأمير عبد الرحمن بن الحكم ومن قبل الإمامين ابن حبيب وأصبغ على غيرتهما على الدين، وحمايتهما لجناب رب العالمين، ولأخذهما بالعزيمة، وعدم التفاتهما للأقوال الضعيفة والهفوات والزلات التي ليس فيها نصر للإسلام، ولا للسفهاء اللئام من الأنام.

  • قتل ابن الهيثي لكفره واستهانته بآيات الله 626 هـ:

    قال الحافظ ابن كثير رحمه الله - وهو يؤرخ لسنة 626 هـ -: (وفي يوم الثلاثاء حادي عشرين ربيع أول ضربت عنق ناصر بن الشرف أبي الفضل بن إسماعيل بن الهيثي بسوق الخيل على كفره واستهانته واستهتاره بآيات الله، وصحبته الزنادقة، كالنجم بن خلكان، والشمس محمد الباجريقي، وابن المعمار البغدادي، وكلٌ فيه انحلال وزندقة مشهور بها بين الناس.

    قال الشيخ علم الدين البرزالي: وربما زاد هذا المذكور المضروب العنق عليهم بالكفر والتلاعب بدين الإسلام، والاستهانة بالنبوة والقرآن [59]، قال: وحضر قتله العلماء والأكابر وأعيان الدولة، قال: وكان هذا الرجل في أول امره قد حفظ التنبيه، وكان يقرأ في الختم بصوت حسن، وعنده نباهة وفهم، وكان منزلاً في المدارس والترب، ثم إنه انسلخ من ذلك جميعه، وكان قتله عزاً للإسلام وذلاً للزنادقة وأهل البدع) [60].

  • قتل الرئيس نميري للزنديق المرتد الصوفي الباطني محمود [61] محمد طه في 1985م، لتركه للصلاة وادعائه الرسالة ثم الألوهية، وفتنته للعامة والدهماء، ونشره الضلال والكفر، وكان أتباعه يعتقدون أنه لن يموت، فقد مات شر مِيتة، وقتل شر قِتلة.



    [15] صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب أين ركز رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح، رقم 4286.

    [16] ج8/ص16.

    [17] المصدر السابق: ص11.

    [18] الحافظ ابن حجر، صحيح البخاري، كتاب المرتدين حكم المرتد والمرتدة، رقم 6922.

    [19] رواه الترمذي عن عثمان، رقم 2158.

    [20] صحيح البخاري، كتاب استتابة المرتدين، رقم 6923.

    [21] صحيح البخاري، كتاب استتاة المرتدين، باب قتل من أبى قبول الفرائض وما نسبوا إلى الردة، رقم 6924 و 6925.

    [22] الفتح: ج12/ص276.

    [23] صحيح البخاري، كتاب استتابة المرتدين، رقم 6922.

    [24] البخاري، والبيهقي في سننه ج8/ص203، وقنبر هذا غلام له.

    [25] لأن اختلاف الدين يمنع من التوارث.

    [26] المحلى، لابن حزم: ج11/ص190.

    [27] المصدر السابق.

    [28] المصدر السابق.

    [29] المصدر السابق.

    [30] البداية والنهاية، لابن كثير: ج9/ص34.

    [31] المصدر السابق.

    [32] البداية والنهاية: ج9/ص350.

    [33] سير أعلام النبلاء: ج6/ص27.

    [34] البداية والنهاية: ج9/ص350.

    [35] البداية والنهاية: ج9/ص350.

    [36] ج4/ص 160.

    [37] سير أعلام النبلاء: ج5/ص 426.

    [38] المصدر السابق: ص432.

    [39] البداية والنهاية: ج10/ص149.

    [40] سير أعلام النبلاء: ج 7/ص401.

    [41] ج8/ص287.

    [42] المصدر السابق: ص307.

    [43] المصدر السابق: ص309.

    [44] محمد بن يوسف بن يعقوب بن إسماعيل بن حماد بن زيد، كان من خيار القضاة جلالاً وقدراً، توفي 320 هـ.

    [45] الشفا بتعريف حقوق المصطفى، للقاضي عياض: ج2/ص 631 - 632.

    [46] سير أعلام النبلاء: ج14/ص343.

    [47] هكذا في الأصل، ولعلها النهر.

    [48] البداية والنهاية: ج11/ص143.

    [49] الشفا: ج2/ص633.

    [50] المصدر السابق، هامش رقم 1.

    [51] المصدر السابق.

    [52] هو عبد الملك بن حبيب، من ولد العباس بن مرداس الصحابي، فقيه، نحوي، طبيب، محدث، مفسر، توفي 288 هـ.

    [53] يكنى أبا القاسم، من أهل العلم والفقه والورع، توفي 273 هـ.

    [54] اسم زوجة الخليفة عبد الرحمن بن الحكم، وكانت من حظاياه.

    [55] هذا هو ديدن السفهاء والوراقين قديماً وحديثاً، وما قاله هذا المستخف بربه لا يقل عما قاله نزار قباني وأنيس منصور - لا آنسه الله ولا نصره - وأمثالهما من السفهاء الهالكين ومن الحيين المستخفين بالدين.

    [56] لا أدري ما تعنيه.

    [57] ليس كل خلاف يستراح له ويعمل به، وإنما العبرة بالدليل.

    [58] ج2/ص635 - 637.

    [59] كما يحدث الآن في الصحف اليومية وفي أركان النقاش في بعض الجامعات في السودان وغيره.

    [60] البداية والنهاية، للحافظ ابن كثير: ج14/ص123.

    [61] عندما تزندق لقب بمذموم.
  • ليست هناك تعليقات: